Monday 11 November 2013

قصة قصيرة : زقاق

"إنه مطر .. إنه مطر"
يصرخ خليفة و هو يجري تجاه منزله بعد أن ابتلت ملابسه من اللعب تحت المطر ، يسرع نحو منزله الواقع في نهاية الزقاق الضيق الرملي ، الأرض لم تعد رملية بعد هذا المطر الغزير ، أصبحت طينية مزعجة ، لكن خليفة سعيد اليوم في هذا المساء الممطر ، إنها أمطار نادرة في هذه الصحراء فلهذا تجد من المعتاد أن يحب الناس المطر رغم أنها ُتغرق مدينتهم في اليوم التالي ...
وصل خليفة إلى منزله سريعا ، دخل سعيد يصرخ "إنه مطر" ، سرعان ما استوقفته أمه لتصرخ عليه "لا تدخل بحذائك لقد نظفت المنزل للتو" ، الأم سعيدة بالأمطار و لكن شوارع بيتها الطينية تُنهكها دائما ، فالطين عادة ما يعلق في الأحذية و الملابس ، و لكن حتى إنهاكها لا يجعلها تكره المطر ، إنها فقط تكره حياتها و شوارع بيتها

"اخليفة ، اخليفة" ينادي محمد جاره خليفة للذهاب للمدرسة معا ، خليفة يكره أن يُنطق اسمه بهذه الطريقة و يفضل خَلِيفَة ، و لكن هذا شيء لا يحصده عادة
خليفة يكره أيضا شوارعه كأمه ، يكره هذه الأزقة الضيقة التي تفوح منها رائحة الطعام ظهرا ، في تلك الساعات حين تختلط رائحة طبخ كل المنازل الملتصقة ببعضها ، فتصبح الرائحة مقززة و المنطقة مكان ليس من المناسب الوجود فيه ، خليفة يكره أيضا الصباح التالي للمطر عندما تغرق شوارع منطقته في الطين و الماء ، فيصبح السير فيها مزعجا و الركض فيها مستحيلا
هو أيضا يكره حياته هنا ، يكره بشدة الملل الذي يصيبه كل مساء ، يكره أنه لا يستطيع الإستماع للموسيقى متى أراد ، يكره اسمه أيضا ، لم يكرهه في السابق لكنه يفعل الأن منذ أن بدأ الجميع بمناداته اخليفة ، دائما ما يخبرهم ألا ينادوه هكذا و لكنهم لا يستمعون له
فرحة المطر مستمرة رغم أن أثارها سيئة ، هكذا تمضي الأيام الممطرة على ليبيا ، صحراء تنزل عليها أمطار ، و كأنه حلم تحقق ، و لكن هذا الحلم سرعان ما يتحول لكابوس اليوم التالي
لازال خليفة سعيدا بالمطر ، إنها إحدى الأشياء الصغيرة التي تسعده في هذه الهاوية ، لكنه يكره أن يسكن في فشلوم وسط هذه الأزقة الضيقة ، يتجنب الخروج من المنزل في هذه الأيام و لكن الملل يقتله إن لم يفعل
يشعر بالتناقض في نفسه ، حبه للمطر و كرهه لأثارها ، يتمنى المطر و لكنه يفكر طويلا قبل أن يتمناها ، يتمنر أن يغادر يوما دون عودة ، يغادر فشلوم ، يغادر طرابلس و يغادر ليبيا ، إلى مكان بارد و ممطر و لكن لا طين فيه ، فقط الحياة هناك ، هناك حيث سيحيا كإنسان يُلقبونه خَلِيفة

Sunday 3 November 2013

في مدينتي

مدينتي تفوح رائحتها بالدماء ، يقولون دماء مباركة و أنها دماء شهداء ، كنتُ أصدق ذلك و لكن ليس بعد الأن
مدينتي لم تعد كما كانت مجرد خراب ، اليوم هي خراب ملطخ بالدماء ، خراب غارق في الكذب و الإدّعاء
أحب مدينتي رغم كرهي لحياتي فيها ، أحب دولتي رغم عدم احتمالي لوجودي فيها ، و أحب شعبي رغم أنني أكره كل ما يفعلون
مرتبطة بهذه الأرض أكثر مما أرغب ، و بهذه المدينة أكثر مما أحب
لطالما كانت مدينتي خرابا ، و لكنها كانت خرابا مقبولا ، كانت مكانا تستطيع العيش فيه و الضحك فيه من قلبك و أن تستمع فيه للموسيقى براحتك ، كانت مدينتي مليئة بصوت لعب الأطفال و ضحكاتهم ، كانت تفوح منها رائحة البحر الذي تُطل عليه ، كانت مكانا يمكن العيش فيه بطريقة مسالمة 
مدينتي اليوم مختلفة ، سنة 2011 غيرتها ، حولتها لساحة حرب ، لم تعد هناك موسيقى في شوارعها ، فالموسيقى أصبحت محرمة ، لم نعد نرى الأطفال يلعبون و يضحكون ، فكل منهم استبدل أصدقاء طفولته بأيفون و أيباد ، ، لم نعد نسمع سوى أصوات الرصاص و الألعاب النارية ، أصبح الرصاص موسيقانا المزعجة التي نرقص عليها ، أصبح الرصاص صديقنا المفضل الذي ننام و نستيقظ على صوته ، أصبح البارود و الدم الرائحة المفضلة لنا ، الرائحة التي علقت بأجسادنا ، أجسادنا تبكي و روحنا تصرخ و لكننا لا نسمع سوى صوت الرصاص و نتساءل : من ستختار الرصاصة في المرة القادمة ؟ و أن نتمنى أن تأتي رصاصتنا عاجلا قبل أجلا

كان الموت يوما شيئا مهما ، أما اليوم فنسمع خبر موت فلان و نتساءل فقط هل هي رصاصة من أخيه أو أبيه أو ابنه ؟ هل مات في حادث سيارة و هو يهرب من محاولة قتل ؟ 
قبل أسابيع مات 3 شباب ، مراهقون بالأحرى ، كانوا في سيارة عندما دهستهم حافلة ، كان طريقا سريعا و كان هؤلاء الشباب يتحرشون بالفتيات في سيارة أخرى ، حتى أنهم صدموا السيارة التي كانت تسير بسرعة 100 كيلو متر ، فقدت الفتاة السيطرة على السيارة و فقد المراهق أيضا أما الحافلة فقد أتت فجأة لتصدم سيارة المراهقين ، الفتيات كنّ في حالة خطيرة في المشفى ، لا أعرف مصيرهن و لكنني أرجح أنهن توفين جميعا
الموت شيء طبيعي و هو جزء من الحياة ، لكن الموت طغى على مدينتي ، أصبح الموت هو الحدث الرئيسي بها و هو ما يدور حوله   شيء ، مدينتي أصبحت تفوح بجثث القتلى المتعفنة و بأصوات الرصاص القاتل و شوارعها أصبحت مغطاة بدماء أبنائها
في مدينتي نحن خبراء أسلحة ، في مدينتي نميز بين أصوات الأسلحة ، في مدينتي ننام على صوت الرصاص الذي لا يتوقف أبدا ، في مدينتي فقدنا الشعور بالحياة و فقدنا الأمل و كل ما بقي منا ينتظر رصاصته المقدسة لتصيبه ، إنه الرمق الأخير من الأمل


Saturday 2 November 2013

يا لها من إجابة ..

في لقاء ملالا يوسف مع جون ستيوارت في أحد البرامج الأمريكية ، سألها جون ستيوارت عن ردّة فعلها عندما علِمت أن طالبان يريدون قتلها !
 تساءلت ملالا بعدما علمت أن طالبان يريدون قتلها عمّا ستفعله لو جاء أحدهم ليقتلها ، في البداية قالت أنها ستأخذ حذاءها و ترميه عليه ، ولكن كما تقول ملالا حينها فكرت أنها إن فعلت ذلك فلن يكون هناك فرق بينها و بين طالبان و أنها لا يجب أن تعامل الأخرين بخشونة و وحشية و أنها لابد أن تقاتل الأخرين و لكن بسلام ، ثم ستحدثه عن أهمية التعليم و أنها تريد التعليم للجميع ثم ستقول له افعل ما تريد ..
هذا باختصار ما قالته ملالا ، ردّة فعلي الأولى كانت الإنبهار كما هي ردّة فعل جون ستيوارت و العديدون ، انبهار مترافق مع إعجاب و تقدير كبير لهذه الإجابة ، و لكن سرعان ما تغير رأيي
أنا لا زلتُ معجبة و منبهرة بالإجابة لأن ملالا فكرت يوما في التعامل هكذا مع شخص قادم لقتلها ، و لكن هذا الإعجاب لم يعد كبيرا كما كان ، تبدو إجابتها كأحد فصول رواية رومانسية رديئة ، لا يمكن على الإطلاق أن تُصدق و لا أن تُنفذ على الواقع ، إذا جاء طالبان لقتلها لن يمنحوها حتى الوقت لإلتقاط حذائها و رميه عليهم فكيف بأن يسمحوا لها بالتكلم معهم
السلام الذي تتحدث عنه ملالا غير موجود ، السلام سيكون موجودا عندما يتوقف أحدهم عن مهاجمة الأخر فقط لأنه مختلف ، ملالا مختلفة لهذا هاجمها طالبان ، السلام هو أن لا تهاجم أحد أخر لا أن تتوقف عن الدفاع عن نفسك
ما غفلت عنه ملالا أنها ليست مثلهم إذا رمتهم بالحذاء و هربت ، فهذا دفاع عن النفس و هذا ليس خرقا لأي سلام ، خصوصا ذلك السلام الغير الموجود
أنا لو كنتُ مكانها كنتُ لأرميهم بكل شيء يمكنني رميهم به ، كنتُ لأقتل أحدهم لأعيش ، و لم أكن لأرضى أن أموت دون قتال على يد إرهابي و قاتل ، و لكنني لست مكانها فهي تلك المراهقة التي وقفت ضد طالبان ، ذلك التنظيم الإرهابي المتشدد الذي يقتل الناس و يحرمهم من أبسط حقوقهم ، لكن كل هذا لا يجعل إجابتها منطقية و لا سليمة يجعلها فحسب إجابة محاطة بقدر من الزهو و الجمال ، كالنهاية السعيدة في إحدى الروايات
أراهن أن الجميع تخيل أن هذا الرجل سيستمع إلى ملالا و سيقتنع بكلامها و سيحميها ، أمر يدفعني للإبتسام أن يتخيل الناس هذه النهايات السعيدة رغم كل البؤس حولهم ، إجابة ملالا هي النهاية السعيدة لقصة سندريلا و بقائها سعيدة للأبد مع أميرها الفاتن\


وهم السعادة الأبدية و السلام الدائم و انتصار الإنسانية و المثالية البشرية يتمثل في إجابة ملالا الجميلة ، و يا لها من إجابة ..

Wednesday 30 October 2013

قصص الطفولة : أشرف و هناء

طبيعي جدا أن تشتاق لطفولتك فهي أحلى سنوات العمر لأنها ببساطة كانت تسير دون إدراك منا ، كانت بريئة و جميلة و هذا ما نفقده مع العمر
بعض الأحداث من الطفولة تبدو خيالية و هذه قصة لا يمكنني تأكيد إن كانت حقيقة أم هي من نسج خيالي الطفولي بل ربما حتى من نسج خيالي و أنا في هذا العمر و لكنها قصة أؤمن بوجودها و إن كنت لابد أن أضفت فيها فجعلتها درامية 

تحدث القصة داخل أحد عمارات زاوية الدهماني
كان هناك "أشرف" الذي يسكن في الطابق الأول من العمارة ، كان شابا وسيما و ربما الأكثر وسامة بين سكان 32 شقة في هذا المبنى ، كان طويل القامة و رياضي و أبيض البشرة و كان شخصا نشطا للغاية 
و كانت هناك "هناء" تقطن في أحد شقق الطابق السابع ، كانت جميلة أيضا و هي الأجمل بالتأكيد بين فتيات هذا المبنى و كان تملك عيونا زرقاء جميلة
كانت توجد علاقة بين أشرف و هناء _كما أذكر أو كما أتخيل_ و كنت دائما أعتقد أنهما سيتزوجان بعد تخرج هناء

فجأة اختفى أشرف لفترة و كذلك هناء ، عاد أشرف بعد فترة في كرسي متحرك ثم بعد فترة تمكن من المشي بالعكاز و هذا أخر ما أعرفه عن تحسن أشرف ، أنه تمكن من المشي بالعكاز
أشرف كان مصابا بورم دماغي ، ليس سرطانا و لكن هذا الورم سبب له شلل نصفي بحيث لم يعد يستطيع استخدام أحد نصفيّ جسده و أصبح أعرج على العكاز
انتقل أشرف بعد فترة من العمارة مع أمه و أخته ، بعد أن فقد كل حيويته التي كانت تحيط به ، كان شيئا مؤسفا رؤيته هكذا 

بعد كل هذه السنين ، أتت لأمي دعوة زفاف من أم هناء "أمنة" ، تفاجأت قليلا فبعد كل هذه السنين من الفرقة ما زلنا على تواصل معهم و لكن سرعان ما تذكرت أشرف الذي اعتقدت أنه سيزوج هناء و سيكونان ثنائي هذا المبنى
تزوجت هناء كما يقولون من رجل غنّي و لا أدري ما جرى لأي منهما
زواجها قضى على أحد خيلاتي الطفولية عن الحب الجميل و التي كانا هناء و أشرف بطلاها و لكن رغم معرفتي بأن كل ما جرى في ذهني قد يكون خطأ إلا أنني أستمتع أحيانا بتخيل حب أشرف و هناء 


Tuesday 29 October 2013

من الطفولة : ما ظلّ سرا

كانت معلمة الإنجليزي لصف التاسع و كان اسمها سعاد
اسم سعاد ارتبط كثيرا بحياتها و سيرتبط للأبد و الأكيد أن لا علاقة لهذه المعلمة بهذا الإرتباط
استرحتْ لهذه المعلمة الجديدة في السنة المصيرية "سنة الشهادة" و أُعجبت بها فهي كانت معلمة إنجليزي جيدة رغم كل شيء و من القلة الجيدين
مرّت الأيام و هي تدرس في ظل هذه المعلمة التي أثبتت جدارتها في التعليم و في نفس الوقت غرورها و نرجسيتها التي لا أحد يعرف مصدرها
كانت المدرسة التي تدرس فيها هذه الفتاة مختلطة على غير العادة في مدارس بلدها ، و لكن على غير العادة أيضا كان يوجد 4 أو 5 طالبات إناث في كل فصل  من أصل 20 طالبا أو أكثر في الفصل
لم يُمثل هذا مشكلة لا للمعلمات و لا الطلبة و لم يكن ساريا في ذاك الوقت فكرة الإختلاط في ذهونهم على الإطلاق
سرعان ما تغيرت تصرفات المعلمة مع أول امتحان فأحبت المتفوقين و كرهت الراسبين ، استمر هذا طول الفترة الأولى التي ترافق معها كره العديد من الذكور للمعلمة و خصوصا الذين رسبوا فيما سبق و هذه السنة الثانية أو الثالثة لهم في نفس المرحلة
أتي الإمتحان النهائي و تصاعدت معه وتيرة التوتر الذي سرعان ما تحول لمضابقات يتبادلها الطرفين أو كما نقول بالشعبي "تلقيح" ثم أتت العطلة
بعد العطلة و عودتنا للمدارس تم توزيع بطاقات دراجاتنا التي نجح و رسب فيها العديدون و كان معظم الراسبين في الإنجليزي 

و كرَدِّ فعلٍ على الرسوب قام أحد الطلبة ذات يوم برمي ورقة على ظهر المعلمة أثناء كتابتها الدرس ، فالتفتت لتبدأ بالشتم كلمات كانت شائعة "حمار ، كلب ..." ثم فجأة و من دون إنذار طلبت من جميع الإناث الخروج من الفصل و اللواتي كنّ 4 فحسب
خرجت الطالبة مع زميلاتها و وقفن أمام باب الفصل ريثما تنهي المعلمة حديثها و الذي اختارت أن توجهه للذكور فقط
الفضول كهاجس بشري سيطر في هذه اللحظة على ذهن الطالبة التي سرعان ما أرادت أن تعرف ما تقوله المعلمة للطلبة فحسب و التي كونت العديد من النظريات كان أكثرها إقناعا أنها ستقول كلاما للذكور لا ينبغي أن تسمعه أنثى ، شتما من نوع أخر لم يكن شائعا
قضت المعلمة الكثير من الوقت مع الذكور حتى انتهت الحصة و رنّ الجرس ، خرجت المعلمة و لم تتبين الفتاة ملامح وجهها و لكنها سرعان ما رأت ملامح الذكور في الفصل ، ملامح مصدومة و وجوه مُصفرة من الجميع ، ثم سرعان ما بدأ أحد الذكور بالضحك على االمعلمة و التعليق
لم تتبين الفتاة ما قالته أو فعلته المعلمة ذاك اليوم و رغم فضولها الشديد إلا أنها قررت ألا تسأل
حدث موقف أخر مع المعلمة هذه ، فبينما كان أحد الطلبة يضايقها بالكلمات التي لم يوجهها الطلبة إلا لهذه المعلمة ، سألته فجأة : أين تسكن ؟
أجابها الطالب أ،ه يسكن في زاوية الدهماني
فكان رد المعلمة : طبيعي إذا أن تكون شخصا منحرفا "صايع" هذا طبع سكان زاوية الدهماني و ليس مثلنا سكان فشلوم فنحن راقون و متحضرون
دار في ذهن الفتاة شيء واحد : أنا أيضا كنت من سكان زاوية الدهماني و ما تقولينه ليس صحيحا .. و لكنها فضّلت الصمت  فرغم كل شيء كانت هذه المعلمة تحبها و تعاملها جيدا



Monday 21 October 2013

وجهة نظر : القناعة كنز لا يفنى

يًقال أن القناعة كنز لا يفنى ، لا أعلم من قال هذه المقولة أو أصولها و ليس لديّ فضول لأعلم
كانت العديد من النصائح الموجهة لي تتمثل في هذه الجملة ، بعضهم يحب التكثير من الكلام و لكنه ينتهي بقول هذه الجملة ، و أخرون يقولونها من البداية
في البداية لم أكن أناقش ، فهذه جملة كغيرها من الإقتباسات الشائعة فيها قدر من القداسة الذي عادة ما يوجهها الناس على أي شيء فيه أثر للحكمة
بعد فترة تتكرر الجملة ، و يبدو أنني فشلت في تنفيذها و لكن بالتأكيد دون قصد ، لكن القناعة لم تكن يوما من خصالي و لن تكون
ليس غرورا و لا أنانية _رغم أن أحد خصالي الأنانية_ و لا شيء أخر مشابه لذلك و لكنني ببساطة أرى القناعة كوحش يجب محاربته بدل تقبله كشعور دافع للراحة
عادة عندما يتعالج أي شخص نفسيا من أي مرض عليه أن يخرج من منطقة راحته و يتكلم عمّا يزعجه و يعالجه ، أي أنه بدل الجلوس مختبئا في الظلام عليه أن ينهض و يواجه ضوء النهار المزعج الذي سينهك عينيه بعد كل ذلك الظلام ، و هكذا أرى القناعة كمنطقة الراحة الخاصة بأي إنسان ، و لهذا هو سهل للغاية أن تقول هذه الجملة و تفتخر بأنك قانع بما لديك

هي أحد الجمل التي عادة ما يقتبسها الناس ، و لكن ما يغفل عنه حافظوا هذه الجمل و الذين لم يتكبدوا عناء التفكير فيها قبل تكرارها أن كل هذه الجمل ذات منظور نسبي للشيء ، و أنها أيضا لا تعبر سوى عن رأي شخص واحد قائلها أو كاتبها ، و مهما كان هذا الشخص متعلما و مثقفا فلا أظن أن رأي أحد مقدس عن رأي شخص أخر

رأيي في هذه الجملة نسبي أيضا ، فأنا لا أحاربها و لا أساندها ، بل هي جملة أستخدمها في أحد أيامي التي أتكاسل فيها لأزداد تكاسلا و أستخدمها أحيانا لأرضى بأنني غير موهوبة أو غير قادرة على هذا الشيء أو ذاك ، مثل ما أستخدمها لإدراكي أنني غير قادرة على مهنة التعليم ، فمهما حاولت إقناع نفسي بغير ذلك إلا أن قناعتي أنني غير قادرة على الشرح جيدا تجعلني أقف عندها و لا أفكر في تعليم أحد
أنا استخدمت القناعة بطريقتي و أخرون استخدموها بطرق أخرى لهذا أفضل ألا أكرر هذه الجملة المقتبسة ، بل إنني أفضل ألا أردد العديد من الجمل المقتبسة و إن أردت يوما اقتباس شيء فسيكون شرحا و ليس رأي شخص يحتمل الصحة  أو الخطا ، و لكن هنا مشكلة في حد ذاتها فالرأي لا يحتمل الصحة أو الخطأ معظم الوقت ، بل هو رأي فحسب لا يمكن وضعه في خانة معينة غير خانة الرأي التي تعبر عن أفكار صاحبها و ما توصل له عقله

يمكنني غدا أن أستخدم هذه الجملة على نفسي و لكن أظن أن تأثيرها عليّ أثبت فشله ، ربما أستخدمهاعلى غيري ، فالجملة لها معنين ، المعنى الأول يخاطب العقل بأن يقول له "ارضى بما تملك و ما أنت عليه فأنت حالك أفضل من العديد و تملك منزلا و أكلا و شرابا" هذا المعنى الذي أرفضه ، صحيح أنك تملك كل شيء و ما تحتاجه و لكن ماذا عن إمكانياتك ؟ 
معظمنا لديه إمكانيات لعيش حياة أفضل و صنع شيء أكبر من نفسه و لكن هذه الجملة دائما ما تعيقه

أما الثاني فهو كما ذكرت سابقا عبارة عن نظرة موضوعية لنفسك بأن تدرك أنك إنسان لا يمكنك أن تملك كل شيء ، ولست موهوبا بكل شيء و أن قدراتك أكبر مما تعتقد و لكن ليس في كل مجال فحسب و هما يأتي دورك لإكتشافها

ليست قضية تنمية بشرية و كل السابق مجرد رأي لي ، كما هذه الجملة رأي صاحبها الذي قد يكون مزارعا لديه موهبة الغناء و لكنه ظلّ مزارعا و استخدم هذه الجملة ليقنع نفسه بخياره
أو محكوما بالسجن فرّ زملاؤه من السجن و هو رفض الهرب ، نجح زملاؤه و هو بقي يواسي نفسه بهذه الجملة



Tuesday 8 October 2013

حلقة من الدمار

يُقدر للضحية أن تصبح جلّادا ، هكذا هي الدنيا تحولنا من ضحايا لجلّادين و لكننا نبقى محتفظين بمظهر الضحية ، ربما هو شيء لا يمكن التخلي عنه ، وربما من كان ضحية يوما سيبقى ضحية دائما في نظر نفسه مهما فعل
ربما هي حلقة الجلّاد و الضحية ، فأنت حتى مرحلة ما من عمرك تكون إنسانا لست بضحية أو جلاد ، ثم في مرحلة أخرى تصبح ضحية و بعدها تصبح جلّادا بمظهر الضحية
أسوء ما يمكن أن تفعله تجاه نفسك هو الشعور بالشفقة ، فأنت لست بضحية و مهما حدث لست ضحية ، أنت لست مَدعاة للشفقة أيضا أنت ببساطة تعرضت لموقف سيء لا غير ، و فقط لأنك تعرضت للسوء لا يعني أنك مخول لفعله
هذا ما يحدث في مجتمعي ، فنحن على نحو ما ضحية ، و لكننا جلّادون أكثر منه ضحايا و لكننا لا زلنا غير قادرين على الإعتراف أننا ببساطة فشلنا في الإستمرار و توقفنا عند نقطة الضحية و احتفظنا بغضبنا لنصبح جلّادين
كان هذا ما جرى مع القذافي و هذا ما يجري مع مصراتة و هذا ما يجري مع معظم الليبيين ، هذا ما جرى مع اليهود بعد ما فعله بهم هتلر و هذا ما جرى مع أمريكا بعد  الحادي عشر من سبتمبر

ربما الأمر يحتاج إلى نضج لندرك أننا لم نعد ضحايا ، ربما نحتاج لنقف عند اللحظة التي تنتهي فيها إنسانيتنا
و لكن في المرة القادمة قبل أن تجعل غضبك يوجهك تخيل ، تخيل فقط ملايين الأشخصا مثلك يوجههم شعور كشعورك ، رغبة الدمار لكل من حولهم ، عدم مراعاة غيرهم ، مقتنعين أنهم ضحايا و أنه تم سلب حقوقهم و تخيل أن الحلقة ستبدأ من جديد مع أشخاص جدد ، ثم تخيل مجتمعا كاملا تقوده هذه الحلقة ، و سيكون هذا هو المجتمع الليبي

إنه ببساطة مجتمع الدمار الذاتي


قصة قصيرة : الضحية التي تصبح جلّادا

"أمي لقد دُفنتي هنا ، في مكان ما في هذه الأرض هكذا قال لي أبي ، و لكن يا أمي أنا لم أجد قبرك ، قبرك غير موجود فلا يوجد هنا إلا أرض قاحلة"
هكذا يقول وليد و عيناه تدمع و لكن ليس حزنا بل هي ذرات الغبار تدخل عيناه
وليد لا يذكر عن أمه سوى القليل ، و هي الذكريات الجميلة الوحيدة في حياته
وليد عاش مع أب مدمن كان يضربه كل يوم و مع أخت زوّجها والدها وهي تكاد تبلغ الثالثة عشرة و التي توفيت قبل 3 سنوات ، والد وليد فعل ما يمكنه لكيّ يعذبه ، وليد أيضا مدمن ، ربما ينطبق عليه المثل القائل "ذاك الشبل من ذاك الأسد"
"أنا ضحية والدي ، ذلك الحقير لقد دمّر حياتي" هذا ما يقوله وليد دائما و لكنه قبل زمن كان يقول " أمي البائسة لقد تركتني بمفردي مع هذا الحقير و لم تهتم بنا ، أنا أكرهها"
و ليد المدمن البائس الوحيد ضرب والده ذلك اليوم ، و أشعره ذلك بشعور رائع و كان فخورا بذلك و كما يقول " أخيرا انتقمت منه"
وليد اليوم هو ثائر بطل ، خرج في أحد الأيام و أصبح زعيما لمنطقة
و لكن اليوم هو يبحث عن قبر أمه المجهول ، فأمه حتى وقت قريب كانت أكثر ما يكره في هذه الحياة و لكن اليوم هو مليء بالشفقة ، تجاه نفسه و تجاه أمه و أخته
وليد يخرج من هذه الأرض و يعد نفسه أن يتغير و سيقوم بمساعدة الناس
تأتي سيارة مسرعة و تصطدم بوليد ، يسقط وليد مرتميا على الأرض جثةً هامدة
أتى التغيير متأخرا لوليد ، أو ربما هذه الأرض لا تقبل النادمين و لا تبحث إلا عن المجرمين

Friday 4 October 2013

قصة قصيرة : فطيرتان


جلستا معاً صديقتين ، صداقتهما تمتد لسنين طويلة
كانت تلك الذكرى أول ما لامس عقلهما عندما شاهدتا ذلك الطفل و هو يأكل فطيرته في الشارع ، كانت ذكرى الجوع
جلستا تذكران ، لم تكونا تذكران فعلا بل كانتا تعيشان تلك اللحظات مرة أخرى ، فمن الصعب أن ننسى هكذا لحظات
كانتا جائعتان ذلك اليوم ، فهما طفلتان في العاشرة لم تأكلا منذُ يومين ، كانتا قد ندمتا كثيرا على تركهما الميتم لكن لم يكن بإمكانهما العودة ليتم ضربهما التحرش بهما مجددا من ذلك المدير العجوز الشرير
كان بائعا جوالا يسير أمامهما في ذلك اليوم ، كانت فكرة سرقة تلك الفطيرة أول ما بادر إلى ذهنما ، لم يفكرا سوى بهذا الجوع اللعين ، اتفقتا أن تقوم إحداهما بإلهاء الرجل بينما تقوم أخرى بسرقة فطيرتين واحدة لكل منهما
كانت إحداهما أسرع من الأخرى ، فاختيرت هي لإلهاء الرجل ، بينما كان للأخرى مرونة ستمكنها من التسلل جيدا لسرقة الفطيرتين
ها قد ذهبت الطفلة التي ستلهي الرجل ، قدماها ترتعشان و هي تمشي باتجاهه و كأنها ستكون نهايتها ، كما أن خوفها مبرر كونها لم تسرق من قبل ، و يُضاف بذلك شدّة جوعها التي تركتها طفلة نحيلة و مُجهدَة
هاهي تقف أمام الرجل ، كان يبدو في الأربعين ، يبدو طيبا ، كانت تريد أن تقول له أنها جائعة و أنها هربت من الميتم لكنها خافت أن تعود لذلك الرجل الشرير الذي يؤذيها هي و صديقتها ، دفعت تلك الفكرة بعيدا عن رأسها و فكرت في ما ستقول له ، و فجأة قالت " عفوا يا عم ! "
لم يُجبها الرجل لأنه لم يسمعها ، فصوتها كان منخفضا و مرتعشا كما أن الضجيج المحيط لم يساعد أيضا
كررت ثانية "عفوا يا عم ! " و لكنها صرخت هذه المرة
التفت الرجل إليها ، فشاهد فتاة صغيرة ذابلة ، "يبدو أنها أضاعت عائلتها" هذا ما فكّر فيه
جلس الرجل على كرسيه حتى يتمكن من الحديث مع تلك الطفلة القصيرة
"ما الذي تريدينه يا ابنتي ؟!" سألها الرجل بعطف شديد ..
ها هي تقترب الطفلة الأخرى من الفطائر و ببطء شديد
بينما كانت الأخرى تفكر بما ستقوله تاليا
كرّر الرجل سؤاله ، و ببط أكبر هذه المرة
لم تُجبه الطفلة ، فازدادت ثقة الرجل في فكرة أنها أضاعت عائلتها
كانت الطفلة في ذلك الوقت قد تمكنت من أخذ فطيرة و كانت على وشك أخذ الأخرى عندما سمع الرجل صوتا
كان على وشك الإلتفات عندما صرخت هذه الطفلة الذابلة على صديقتها لتهرب ، هربت تلك الطفلة
كانت على وشك الهرب عندما حاول الرجل مطاردتها و لكنه لم يتمكن من إمساكها ، و تمكنتا من الهرب فعلا و لكن بفطيرة واحدة فقط ، و هي لم تكن كافية لتسكت جوع يومين
لم تدرك الطفلتان أن هذا الرجل مصاب في عموده الفقري و لذلك لم يكن قادرا على مطاردتهما ، كما لم تعلما أيضا أنه ظلّ يناديهما حتى يساعدهما
ذهبت الطفلتان إلى مخبئهما ، مستودع صغير مهجور ، كان مكانهما الخاص و بيتهما و مدرستهما .. كان عالمهما
كانت الفطيرة ساخنة و تبدو شهية ، كل شيء يبدو شهيا عندما تكون جائعاً
كانتا ستبداءان بالأكل و لكنهما فكرتا بأكل نصفها فقط و إبقاء الأخر للغد
كان صعبا مقاومة أكل النصف الأخر ، فهذا النصف لا يكفي ليُسكت جوع إحداهما ، فكيف بكلاهما ؟!
انتهت الذكرى عند هذا الحد لهاتان الصديقتان اللتان تذكرتا أحد أجمل ذكريات حياتهما
ارتسمت ابتسامة على وجههما ثم بدأتا الضحك بصوت عالٍ ، ففي ذلك اليوم تحولتا من مجرد ضحيتين لنفس الرجل ، لصديقتين لا يُفرقهما شيء
نادتا ذلك الطفل فجاة و اشترتا له فطيرتان ، فطيرتان لم تتمكنا من الحصول عليها يوما ما ، فطيرتان كانتا تمثلان بداية حياة صعبة و بداية صداقة رائعة ، كان الحصول على الفطيرتين صعبا في أحد الأيام و لكنه اليوم أسهل ما يمكنهما الحصول عليه

أخذتا فطيرتين لنفسهما أيضا ، فهي الوجبة التي غذتهما لوقت طويل رغم تواضعها

Saturday 21 September 2013

متأثرين

من طفولتنا و هم يعلموننا ، ربما ليس تعليما بل يأمروننا ، تبدأ معلمتك سريعا بتعليم أرائها ، بزرع هذه الأراء في ذهننا و كأنها معلومة علمية لا سبيل للشك فيها ، نكبر عادة و نحن متأكدين من هذا الشيء أوذاك و نعاقب من يشكك و نعتبره خارجا عن الطبيعي و أنه شخص شاذ و يتبع طريق الضلال
أنا كنتُ كذلك و لا زلت و لكن ليس في كل شيء ، لا زلتُ أحاول أن أخرج عن هذه الإعتقادات لتكوين معتقاداتي الخاصة
تشتهر جملة في بيئتي و هي "احني أحسن منهم لأننا مسلمون" لا أدري من قال أننا أفضل و لا على أي أساس نحن أفضل ، كوننا مسلمين 
جمل تصيبني بالإحباط و لكنها جمل كنت مؤمنة بها ،  فهذا ما كنت أسمعه دائما من الجميع ، من معلمتي و من جيراني و صديقاتي حتى أصبحت كعنوان لي و لحياتي
جملة لا زلت أسمعها كثيرا حتى يومي هذا و لا أعبر عن رفضها علنا على الإطلاق ، و لكنني أرفضها ، فهي تعطيك شعورا بالفخر و الغرور رغم أنك فاشل و لكنك تشعر بالتفوق فقط لكون دينك الإسلام و هو ما معظمنا جاءه بالوراثة
ماذا لو كنت مسلما ؟! لماذا يجدر بذلك أن يشعرك بالفخر ، هل ستدخل الجنة فقط لكونك مسلما ، بالتأكيد لا فلا أحد يعلم مصير أي منا ، هل أنت أفضل لأنك تؤمن بالله ، ولكن العديدين من الديانات الأخرى يؤمنون بالله 
لا يوجد ما يدعوك للفخر لكونك عربي أو مسلم أو حتى إنسان إلا تصرفاتك ، نحن لسنا أفضل منهم و لسنا أسوء منهم ، أنا كشخص و أنت كشخص أفضل من البعض و أسوء من البعض الأخر
اعتقادات متوارثة عندنا ربما منذ زمن طويل ، يتم تناقلها بين الجميع و كأنها أمور غير قابلة للشك ، لا زلت أملك الكثير من هذه المعتقدات بداخلي و التي تحتاج جميعها إلى مسح و إعادة النظر فيها ، نحتاج جميعا لذلك ، لأننا سواء اعترفنا بذلك أو لم نعترف فإننا متأثرين بهذا المجتمع و بكل معتقداته

Wednesday 11 September 2013

الطفلة اللاشيء كوحش

"لم أسمع ذلك ، لم أسمع ذلك " 
هكذا تردد طفلة جالسة على الدرج المؤدي إلى السطح و عيناها غارقتان بالدموع
"لست كذلك ، لست كذلك "
تردد هاتين الجملتين بصوت مخنوق و دموع تغطي وجهها
لم تتوقف عن البكاء منذ ساعة ، الأن تفكر ينبغي لي العودة للمنزل لقد تأخرت، و لكنها تدرك أنها لا يمكن أن تعود يهذا الوضع
"لابد أن أتوقف عن البكاء ، سأتوقف الأن !"
تنزل مسرعة من الدرج بعد أن مسحت دموعها ، مائة و تسعون درجة تعدّها
واحد ، اثنين ،ثلاثة ، أربعة ... "حتى وصلت للأسفل و خرجت إلى الشارع
تسرع لتشتري ماءا فلابد لها أن تغسل وجهها 
تتمشى في الشارع قليلا و هي تحبس دموعها
جملة تتردد في رأسها مرارا و تكرارا "أنا لا شيء، أنا لا شيء" تمشي و لكنها ليست موجودة في هذه اللحظة هي لا أحد و لا شيء

أيجدر بطفلة أن تفكر حتى بأنها لا شيء ؟! طفلة في الثامنة من العمر تقول أنها لا شيء" ، تتساءل هذه الطفلة  بعد أن توقفت أن تكون- طفلة ، بعد أن مضى عشر سنوات على لحظة دمرتها و جعلتها على ما هي عليه
تلك الطفلة بكت كثيرا بسببك هكذا فكرت عندما قابلتها مجددا ، تلك المرأة التي جعلتها تبكي في الظلمة ، جعلتها وحيدة 
تلك الطفلة تدرك معنى اللاشيء ، معنى أن تتوقف طفولتك في لحظة ، معنى أن تفترسك الوحوش و تسرق براءتك 

تلك الطفلة عادت إلى منزلها و هي تكره نفسها و ما هي عليه ، كل ما فيها خطأ هكذا تفكر ، وجودها كان خطأ
تلك الطفلة اللاشيء تم رميها في القمامة لكسب حضوة الأخرين 

"ها هي تقف اليوم أمام وحوشها و كوحش هي أيضا ستدمر ما أمامها ، "سأدمر كل شيء" تُردد "إلا الطفولة
إلا الطفولة

Monday 26 August 2013

محادثة وحيدة

جلست في العبّارة تتنشق نسيم البحر ، لم يكن على يسارها أحد على عكس يمينها الذي كان مملوءا بالناس ، كانت هناك امرأة بجوارها تتحدث لغة البلد الغريب التي هي به ، لم تفهم ما تقوله هذه المرأة فهي لا تتحدث هذه اللغة و لكنها علمت بأنه مجرد حديث ، حديث عادي  كما يبدو ، و لكنها لا تملك هذا الحديث العادي ، فرغم الضجيج حولها لا تملك حديثا عاديا تشارك به بل لا تملك حتى حديثا عاديا تستمع إليه ، فكل شيء غريب حولها ، و هي غريبة عن نفسها ، و عن من تكون و غريبة عن وحدتها ، كانت تمسك ورقة و تكتب ، ثم تكتب أكثر و هي تستمع لموسيقاها ، و لكن لا فائدة فهذه الوحدة لن تنهيها الموسيقى و لا الكتابة ..
توقفت لحظات تنظر للبحر،  لم يعد لديها ما تكتب ، ثم يعتصرها الندم لنسيانها كتابها فتزداد الوحدة ، فلا مهرب سوى البحر أمامها و الموسيقى في أذنيها ، تغني و تستمع جيدا ، تحاول إيقاف عقلها عن العمل لمدة قصيرة فحسب ، و لكن العقل لا يتوقف أيضا ، ساعتها تشير إلى الخامسة أي أنه أمامها 45 دقيقة من هذا الشعور المرعب المسمى وحدة و من هذه الأفكار السوداء التي تنتابها ، تنظر حولها ، مازال الجميع يتحدث و بانسجام ، تتساءل في نفسها " هل شاركت يوما في حديث بمثل هذا الإنسجام ؟! " يبدو أن جميع من حولها وجدوا مكانهم الملائم ، و يبدو أن جميعهم في مكانهم الصحيح الأن إلا هي ، فهي وحيدة بدون أحد سوى عقل يتعبها و جسد فانٍ يسجنها و عبّارة صغيرة تحملها و ماء كثير يحيط بها

وصلت العبّارة ستذهب مُسرعة لتجد شخصا تتحدث معه علّها تنسى وحدتها التي تدرك أنها لن تذهب و لكنها لا تريدها أن تذهب هي فقط تريد نسيانها قليلا

Saturday 10 August 2013

مشي الحرية

شوارع ليبيا لم ترحب بي يوما ، لم أعرف يوما معنى أن أمشي في شوارع طرابلس بدون أن أتعرض للتعليقات من كل جانب ، لم أعد أهتم مؤخرا بذلك ، سماعتي منحتني مهربا من كل ذلك الكلام المؤذي

كانت شوارع أنطاليا مختلفة ، رحبت بي تلك الشوارع و كأنني جزء منها ، كان المشي فيها مريحا لقدميّ عكس شوارع ليبيا التي كانت تؤذيهما في كل خطوة ، و كنت أرتاح نفسيا ، فلم أرى أحدا يحدق بي رغم ارتدائي لِمَ قد يعتبره الليبيون "عيبا " فلم أتعرض لنظرة واحدة سيئة بل لم أشعر بأي شخص يستهدفني و لم أتوخَ الحذر و أنا أمشي كما أفعل هنا
تلك المنطقة كانت كاليتشي أو" المدينة القديمة" في مدينة أنطاليا التركية ، بلد غريب عنّي و لغة غريبة عنّي و شعب غريب عنّي و لكنني شعرتُ بالإرتياح ، بعضهم سيسميه تناقض في نفسي و لكنه أبعد ما يكون عن التناقض ، فلا يعرف ما أتعرض له في كل مرة أختار السير على قدميّ إلا أنثى ليبية مثلي

كنتُ قد نسيتُ سماعتي في ليبيا و هو أمر اعتبرته كارثة ، فكيف سأتمشى دون سماعتي !! قررت أن أخرج في ثاني يوم لوصولي لأتمشى و بمفردي بعد أن ارتحت من تعب السفر ، كان يوما صيفيا حارا ، بلغت الحرارة 41 درجة مئوية في ذلك اليوم كما هي عادة في أنطاليا ، تمشيت في شوارع المدينة القديمة ، كانت شوارع صغيرة و ضيقة و لكنك قد تضيع بسهولة بينها ، كانت مليئة بالفتادق الصغيرة و كانت هذه الفنادق مليئة بالأجانب ، فلم أجد عربيا واحدا طول إقامتي هناك و بالتأكيد لم أجد أي ليبي فجميعهم كانوا يذهبون إلى المنتجعات بينما اخترت أنا أن أذهب إلى كاليتشي

كانت اللغة عائقا في البداية و لكن يمكن للإنسان الإتفاق دون كلام فلغة الإشارات أبلغ ، كان صباحا رائعا كما أذكر فلقد حفرتُ تلك المنطقة بأثار قدميّ ، تمشيت فيها لِمَ يقارب الخمس ساعات ، شربتُ ما يقارب عشر لترات من الماء ، و ضعتُ ثلاث مرات بين شوارع كاليتشي العديدة و المتشابهة ، و جلست في مقاهي المدينة القديمة أنصت لموسيقى تركية لا أعرف معنى كلماتها ، و أحيانا أستمع لنقاش بين تركيين أو أجنبيين ، جلست أراقب الشاطئ من على حافة حديقة عامة و رأيت عروسين يركضان معا في تلك الحديقة و يأخذان الصور ، بدا كل شيء كأنه مشهد في فيلم 

تذكرتُ ليبيا في تلك اللحظة ، ليبيا التي يُفترض أن تكون وطني و أرضي ، ليبيا التي يُفترض أن تمنحني الراحة التي لن تمنحها لي كل دول العالم ، فكرتُ كيف أنني تمشيت في شارع الجرابة قبل سفري بأسبوع و كم من تعليق تعرضت له ، فكرت فيما سأتعرض له لو خرجت هكذا في ليبيا ، تساءلت : متى !؟ متى سأتمكن من فعل كل ذلك في ليبيا ! متى سأرى عروسين يركضان بسعادة في منتصف حديقة بدل الإختباء في الصالات ليلا ! و كان لديّ أمل ذلك اليوم ، فأنا كنتُ قد شهدتُ على أول انتخابات فعلية في ليبيا ، و أول خطوة نحو الحرية "كما كنت أظن " و لكنني أتساءل اليوم أي حربة !



Friday 9 August 2013

رسالة عابرة لكِ

هل تذكرين ؟
كنتُ طفلة عندما أهنتني 
أشرتِ بإصبعك ناحيتي و قلتِ انظروا إليها
لم يكن ذاك ذنبي و لكنك استمتعتي بإهانتي
ألم أبدو بريئة بنطرك !! هل فعلتُ ما يؤذيك ؟
همستِ في أذانهن ، نساء كنتن جالسات تضحكن و تتهامسن 
ادعيتُ أني لم أسمع و لكني سمعت
ادعيت أني لم أفهم و لكني فهمت
و ادعيت أني لم أتأثر و لكن كلماتك طبقت غشاء أذني 
كلماتك ثبتت نفسها بمسمار في رأسي
ما زلت أذكر كل شيء و كل كلمة
و لن أنسى يوما كيف أهنتي طفلة في العاشرة من عمرها جاءت تلعب في منزلكم
و لن أنسى يوما ضحكات نساء على براءتي
لن أتمكن يوما من رد معروفك
نعم معروفك ، فأنت فتحتي عينيّ على عالم لم أكن أعلم بوجوده 
بفضلك أنا الأن من أنا عليها
شخص لن يفعل مطلقا ما فعلتي
شخص يقدس الطفولة و يقدس البراءة
و أنا لن أنسى ما أهنتني به
شيء خُلقت به 
شيء أفتخر به اليوم
فهو ما جعلني أنا
و أنتِ لن تبقي سوى إنسانة بالية بكيت بسبببها عدّة مرات
و لكن دموعي جفّت 
و عقلي تقبل وجود أمثالك
إلى اللقاء أيتها الإنسانة القبيحة
و شكرا

رصاصة

العب لكن احذر فهناك رصاصة 
استمتع و اضحك لكن احذر فهناك رصاصة
ضع سماعتك و استمع للموسيقى لكن أبقِها منخفضة و احذر فهناك رصاصة

هنالك رصاصة تنتظر لتنقض عليك
تنتظر وجهك أو صدرك أو قدمك
تنتظر جسدك الفاني لتنهي وجوده
و تنهي وجودك البائس 

تلك الرصاصة أتت من طفل أو من شاب 
هل ترى تلك الرصاصة ؟
بالطيع لن تراها فهي غير ظاهرة تأتيك في لحظة الغفلة
لن تراها لأنها أسرع من أن تُرى

ستأتيك بين عائلتك أو بين أصدقائك
ستأتيك و أنت تستمتع لأغنيتك المفضلة
ستأتيك و أنت جالس تفكر فيها

رصاصة ستنهيك بينما كان يُفترض أن تحميك
هل رأيت رصاصة يوما ؟
إذا كنت ليبي فالبتأكيد قد فعلت ، هل لاحظت حجمها الصغير .. حجمها كحجم إصبعك الصغير أليس كذلك 
هل تساءلت عندما أمسكتها إن كانت ستقتلك ! أنا لم أفعل 
رأيتها و أمسكتها فحسب ، لم أفكر يوما أنها سوف تستهدف جسدي و تدمر روحي
لا أظن أحدا فكّر في ذلك
كلنا لا نفكر ، فكيف بهذه الرصاصة أن تستهدفني أنا من بين كل الناس
من بين 7 مليار شخص 
أنا ! لا أصدق 
و لكنها تستهدفنا كلنا ، إنها السلاح الأمثل 
فقط رصاصة كافية لإنهائك و إنهائي 
رصاصة كافية لنختفي و نصبح أشباح


Wednesday 24 July 2013

هكذا كنتُ يوما..

لم أكن أعلم ما تعنيه كلمة حرام
كنت أعيش بخير دونها ، أو هكذا أذكر
كانت الموسيقى جزءا لا يتجزأ من حياتي

انتقلت لمرحلة أخرى أو كبرت كما بقول البعض
لم يعد لباسي يخصني ، أصبح يخص الأخرين
و لم تعد الموسيقى سوى شيئا محرما
و أصبح شعري شيئا شاذا
و أنا التي كنت أجول الشوارع و ألعب سُجنت بين أربعة حيطان و تلفاز

قاومت لأستمر في حياتي  ليس لأني كنت أدرك شيئا
بل لأني أحببتها
لم يكن تغطية شعري شيئا أردته يوما فلم أغطه
رغم أن تلك المعلمة التي كانت تجبرني على ارتداء الحجاب في حصتها حاولت إقناعي كثيرا
كانت الموسيقى غذاءا لروحي فلم أتخل عنها
رغم أن المعلمة نفسها أخبرتني أنها حرام

كان كل ذلك عندما كنتُ طفلة و عندما لم أكن أدرك شيئا

كنت أجلس في مقعد بمفردي ، و كنت أختار أخر مقعد
كنت أُحضر معي كتبا لأقرأها لأن أحاديث البنات لم تكن تخصني
و لأكون صادقة ، فإني لم أفهم يوما أحاديثهن 
كنت شاذة أبحث عن مكان
لم أجد أحدا يؤنسني في وحدتي
بعد فترة اعتدت الجلوس معهن لأستمع ، و رغم أني لم أكن أشاركهن في أحاديثهن إلا أن الأمر أشعرني بالسعادة
سعادة مزيفة على الأقل

كانت تلك مرحلة نضج قاسية مررت بها
تخبطت بين من أكون ؟! و ما يريده محيطي ؟
كنت أرفض الحجاب و لكننني مستعدة لارتدائه لأنتمي
أحببت الموسيقى لكن مستعدة لتركها لأنتمي
أحببت الكثير و لكن وحدتي كانت صعبة و كنت مستعدة للتضحية فقط لأشعر بانتمائي
لأشعر أن العالم يريدني و لست مجرد دخيلة على ما يسمى حياة

فعلت كل ذلك و ضحيت بكل شيء 
أصبحت أقلدهن حتى كدت أن أصبح نسخة عنهن
إنسانة سطحية كاللواتي كرهتهن دائما
و لكن للعقل سلطة على كل شيء حتى شعوري بالوحدة و رغبتي بالانتماء

كان عقلي يوبخني ، فأنا من كنت أردد كلمات أغنية لم أستمع إليه منذ زمن أثناء حديثهن
و أتذكر لحظات كنت أسرح فيها شعري 
و أتذكر روايات كنت أستمتع بقراءاتها و لكنني اليوم أقرأ كتبا دينية
كنت أتذكر و لم أكن أعيش

هكذا كنت يوما في جزء ما في حياتي

Saturday 13 July 2013

اتفقنا أن نكون متساويين ، هل تذكر؟
نعم أذكر 
و لكننا لسنا متساويين ، أخذت منّي الكثير و لم تبقِ لي شيئا
أعلم هذا أيضا ، إذا ..
لقد خلفت بعهدك
أنت من بين كل الناس تعلم أنه من المستحيل أن نتساوى

محادثة حادّة بينهما ، كانت النظرات قاتلة و المشاعر فيّاضة
إذا هكذا انتهت .. فكّر
لقاء البداية و لقاء النهاية .. مفارقة الحياة 


Thursday 27 June 2013

اعتدنا الكلام و الثرثرة
اعتدنا الصراخ و الشكوى
اعتدنا الجلوس و الكسل
و اعتدنا مطالبة

لكن بماذا نطالب ؟
حرية أم ديموقراطية
الحياة أم الموت

هكذا نحن ..نقف عند أخر الخطوط الحمراء 
لنرجع و نرسم خطوطا أعرض من التي مسحناها
و قوانين أسوء من التي ألغيناها

لم تعد روحي تنتظر من يُخلصها
روحي أدركت أنه ما من خلاص
بل فقط حلم الخلاص

أذهب بعيدا اليوم
إلى أعماق روحي
لأوقفها عن الثرثرة
و عن المطالبة 
لأوقفها عن تدمير نفسها


Friday 21 June 2013

روح بائسة

حياة بائسة
و روح يائسة
هكذا أنا
لا أملك سوى الحلم
و الإرادة لتحقيق الحلم
و يا له من حلم

حلم أبقاني حيّة
معظمنا أبقتنا أحلامنا حيّة
أعطتنا الأمل بالإستمرار
و  قدرة للبقاء

سيأتي يوم ينتهي فيه بؤسي
أو لعله لن يأتي

هل أعيش وفقا للقدر أو إرادتي ؟
هل سينتهي بؤسي بفعل القدر أو بإرادتي ؟
هل حقا سينتهي بؤسي ؟

العديد من الأسئلة دون إجابة 
هكذا هي حياتي
و لكنها على الأقل حياة 


Thursday 30 May 2013

أقف بينكم
كلمات متناثرة تنطقها أفواهكم
تضحكون
و أنا أقف و لا أفهمكم
لغة تتحدثونها
و كلمات تنطقونها
لا أفهمها .. أو علّني لا أريد ذلك

ماذا كنت بينكم ؟؟
ماذا أكون بينكم ؟؟
من سأكون بينكم ؟؟
إجابة واحدة لتساؤلات عديدة
لا شيء
لست سوى جسد 
و روح أتعبها الوجود بينكم
و نفس تخلت عن الأمل

أنا لا شيء بين أحاديثكم
أستمع إليكم بروح فارغة
و حياة منتهية

أن أكون أنا اللاشيء و أنتم كل شيء 
هذه نهايتي 
و نهاية أمثالي


مجرد هلوسة

نوم طويل أو نوم قصير
بضع ساعات أكون فيها بمفردي
مع أحلامي و مع حقيقتي

أنا سوداء 
يكسوني السواد ليلا
فأصبح جزءا منه

أحلام تصارعني نهارا
أنحني أمام الأحلام السوداء
و هذا الليل الأسود لا يضيئه سوى شعاع الأحلام

أفكار تتوارد إلى ذهني
ماذا لو كنت أحلم ؟؟
أن أكون نائمة في كوكب في مجرة أخرى
و هذا سبات يخوضه جنسنا

أهز رأسي لأبعد هذه الأفكار
لابد أنها هلوسات قلّة النوم
ثم أرى فنجان القهوة في يدي
فنجان كبير كان مليئا بالقهوة قبل قليل
اااااااااه .. لقد نسيت
لقد أنهيتها قبل لحظات
يبدو أنني لن أنام اليوم أيضا


Sunday 26 May 2013

مجرد انسان

أجلس ليلا أو لعلّه صباح
أطبع بضع حروف على مدونة لا يقرؤها أحد
أمر يشعرني بالراحة أن أكتب هذه الحروف 
دون أن تُقرأ من أحد

أكتب لأروي عن نفسي 
هذه الإنسانة الهشّة من الداخل
لكن لا أحد يدرك ذلك
فجسدي لا يعكس سوى القوة
و وجهي معالمه تملؤها الثقة
و كلماتي تبعث الصلابة
و لكنني لست كذلك

قناع ألبسه لأبعد الجميع
كلمات و حروف و أراء هذا ما أنطقه
و لكن لا أحد يدرك أنني لا أنطق سوى الفراغ
فراغ نفسي و روحي 
أتنفس الهواء الفارغ
و أبقى أنا فارغة

يملأني الحلم و الطموح
أفكار تتوارد على رأسي
مؤلمة هي الأحلام
و قاتلة هي الأفكار

أبحث عن أنا في كل مكان
بعيدا عن الزمان و المكان
أنا التي ستبقى في الأذهان
و أبقى قرب الأوهام

أنا أبحث عن أنا
كيان لا يتجرأ أن يظهر وجهه
يختفي في ظل جسد قوي
و وجه واثق .. و كلمات صلبة
لكنها مجرد صفات
تمنحني  وقتا للهرب
و لذا أهرب 
و أنتظر ريئما أنام
حتى أستطيع أن أحلم في أمان

أنا الباهتة

مجرد أفكار متنائرة على الورق
كلمات لا تجد طريقها للخروج
أحلام تبحث عن واقع تحطّ عليه
ثم أنا

أنا هذا الانسان الباهت
إنسان حالم عندما أصبحت الأحلام ممنوعة
طموح يدفعني لهاويتي
سأنتهي بحلم يداعب مخيلتي

صباح بسماء صافية
نسيم بارد يهزني
يذكرني بمصيري
أنا الباهتة

مساء يوم أخر
سماء مليئة بالسحب
و ضوء القمر يتوهج بينها
ثم أختفي أنا

وسط كل هذا الجمال 
أكمن أنا
أنا الباهتة 
و التي تختفي بعد زمن
أختفي وراء سحر السماء الصافية
و خلف جمال قمر متوهج

Wednesday 15 May 2013

تريد حقها

ليلة أخرى من حياتها تقضيها بين الأفلام و الموسيقى و النوم و الكتب ثم الأحلام
الأحلام هاجسها الأكبر
أصبحت تحلم أثناء كل فعل تقوم به
لم تعد تحتمل حياتها فتحلم
تحلم بدنيا مختلفة
بعالم أخر
تحلم كي لا يهزمها الواقع
واقع أنها لا شيء
و أنها على الأغلب لن تكون شيئا
لذا تحلم

أحلامها بسيطة مثلها
مجرد حياة 
فكرة أنها قد تعيش 
بعيدا عن تحكم الغير
هي لا تريد السعادة
هي تريد الحرية
تريد الأمان 
تريد الحق في التفكير
تريد الحق في التمرد
جلّ ما تريده هو الحقوق

حقوقها مهضومة 
هُضمت لحمايتها
هكذا يقولون

و لكنها لا تريد الأمن تريد الحق
تريد حقها في العيش
حقها في الحياة


Thursday 9 May 2013

موتنا

هل تفكرون في الموت ؟؟
بالتأكيد تفكرونلاكن هل تفكرون به كما أفكر
لعلكم تفكرون به لتخيفوا أنفسكم من عقاب الله بعد الموت 
لكنني لا أفكر فيه هكذا ، أنا أفكر بالموت بأسلوب بشري خالص بعيد عن عقاب بعد الموت و بعيدا عن الخوف
هل تدركون ماذا يحدث بعد ما تموتون ؟؟
سأجيبكم لا يحدث شيء
ستختفون من هذه الدنيا و هذا لن يغير فيها شيئا ، لا شئ
لنتخيل هذا السناريو
ستموت أنت اليوم أو غدا أو بعد سنوات
سيبكي عليك بضع أشخاص يحبونك حقا ، و سيدعي الكثيرون حزنهم و بكائهم لمجاراة الأخرين
سيمتلأ بيتك بأناس كانت معرفتك بهم سطحية أو لا تعرفهم على الإطلاق
سيأتي جيرانك الذين تكرههم ، و سيجلسون ساعات طوال فقط ليتمكنوا من الثرثرة أطول وقت ممكن
موتك  سيكون فرصة لأكل عشاء مجاني لبعض الناس و فرصة مناسبة للبحث عن فتاة للخطبة ، و فرصة أخرى للطامعين في الثرثرة و "القرمة" و ارضاء الفضول
ثم ماذا ؟
ثم سينتهي هذا العزاء ، سيبقى محبوك يعيشون في حالة ألم قد تستمر أيام أو أسابيع أو حتى أشهر
ثم سينسون ، سيذكرونك بالخير في بعض الأحيان ، لكن عدا ذلك ستكون منسيا
مرّت سنوات و مات كل من كنت تعرفهم و لم يعد أحد يذكرك 
إذا أنت لم تكن موجودا يوما ، فأنا لا أعرف من مات قبل 50 سنة و دُفن بالقرب من هنا 
إذا موتك يعني أنك لم توجد من قبل ، فوجودك بعد موتك يعتمد على من يعرفك ، و ما أسهل لذاكرة البشر أن تنسى ، و حتى لو لم تنسى _و هذا نادر_ فإن هؤلاء البشر سيموتون و ستموت معهم مرة أخرى و هذا الموت سيكون نهائيا

أنا أطمح بالبقاء على قيد الحياة ليس جسدا بل روحا و عقلا ، أطمح أن يذكرني الناس
لقد تذكر الناس هتلر و تذكروا ستالين و تذكروا فرانز كافكا و شكسبير و ليو تولستوي و ماركس و سلفاتور دالي و أفلاطون و سقراط
اذن فقد تذكر الناس العالم و الأديب و الشاعر و الدكتاتور و الرسام و الفيلسوف و تذكروا القتلة و أمراء الحرب ...الخ 
و سيذكرونني أيضا ، هذا ما أطمح إليه
سأترك ورائي إرثا مهما كان صغيرا يقول أنني كنت هنا
كنت موجودة و أنني عشت يوما و لكنني الأن ميتة 
أريد أن يتمنى الناس لقائي كما أتمنى أنا لقاء العديد من الذين رحلوا

سأترك ارثا حتى لو كان هذه الكلمات المبعثرة هنا 
فهذا أفضل من لا شيء
نعم ، انه أفضل


Wednesday 8 May 2013

فرصتها الثانية

روح متعبة تستجدي
أناس أعمت عيونها 
و طمست على قلوبها
و لكن ليس هي
وقفت لترى
أمعنت النظر لتفهم
أنصتت لها .. لكلماتها 
جزء منها لم يفهم
حائرة وقفت في منتصف الشارع
و لكنها تدرك في أعماقها
شعرت بألم تلك الروح
روح توقفت عن الحياة
ليتها تدرك .. ليتها تدرك
انهارت في لحظة
نظر لها الناس باستغراب
و لكنها لم تهتم أو ربما لم تدرك وجودهم
كانت منشغلة في الحديث مع نفسها 
محادثة مليئة بالدموع
ألم يعتصرها
انتصبت فجأة و أخذت حاجياتها و مشت
مشت في تلك الأزقة الضيقة
وصلت لبيت بسيط 
يمكن أن تضيع في الطريق إليه بسهولة
وقفت أمامه قليلا
ثم قررت إكمال المشي
مشت حتى لم تعد تستطع
حسنا ، هاهي الأن تقف على حافة جسر
يلطم النسيم البارد وجهها الأبيض
ترفرف ملابسها لشدّة الرياح
ثم و فجأة تقفز 
لقد قفزت
شعرت بالحرية لعدّة ثواني
صوت قوي يدوي نتيجة ارتطامها بالماء
لم تمت 
استيقظت لتجد نفسها دون ذاكرة
انسانة ولدت من جديد لديها فرصة لتجربة جديدة ، فرصة ثانية
فرصة لا يحصل عليها الكثيرون
حسنا ، أرجو أن تستغل هذه الفرصة جيدا