Monday 26 August 2013

محادثة وحيدة

جلست في العبّارة تتنشق نسيم البحر ، لم يكن على يسارها أحد على عكس يمينها الذي كان مملوءا بالناس ، كانت هناك امرأة بجوارها تتحدث لغة البلد الغريب التي هي به ، لم تفهم ما تقوله هذه المرأة فهي لا تتحدث هذه اللغة و لكنها علمت بأنه مجرد حديث ، حديث عادي  كما يبدو ، و لكنها لا تملك هذا الحديث العادي ، فرغم الضجيج حولها لا تملك حديثا عاديا تشارك به بل لا تملك حتى حديثا عاديا تستمع إليه ، فكل شيء غريب حولها ، و هي غريبة عن نفسها ، و عن من تكون و غريبة عن وحدتها ، كانت تمسك ورقة و تكتب ، ثم تكتب أكثر و هي تستمع لموسيقاها ، و لكن لا فائدة فهذه الوحدة لن تنهيها الموسيقى و لا الكتابة ..
توقفت لحظات تنظر للبحر،  لم يعد لديها ما تكتب ، ثم يعتصرها الندم لنسيانها كتابها فتزداد الوحدة ، فلا مهرب سوى البحر أمامها و الموسيقى في أذنيها ، تغني و تستمع جيدا ، تحاول إيقاف عقلها عن العمل لمدة قصيرة فحسب ، و لكن العقل لا يتوقف أيضا ، ساعتها تشير إلى الخامسة أي أنه أمامها 45 دقيقة من هذا الشعور المرعب المسمى وحدة و من هذه الأفكار السوداء التي تنتابها ، تنظر حولها ، مازال الجميع يتحدث و بانسجام ، تتساءل في نفسها " هل شاركت يوما في حديث بمثل هذا الإنسجام ؟! " يبدو أن جميع من حولها وجدوا مكانهم الملائم ، و يبدو أن جميعهم في مكانهم الصحيح الأن إلا هي ، فهي وحيدة بدون أحد سوى عقل يتعبها و جسد فانٍ يسجنها و عبّارة صغيرة تحملها و ماء كثير يحيط بها

وصلت العبّارة ستذهب مُسرعة لتجد شخصا تتحدث معه علّها تنسى وحدتها التي تدرك أنها لن تذهب و لكنها لا تريدها أن تذهب هي فقط تريد نسيانها قليلا

Saturday 10 August 2013

مشي الحرية

شوارع ليبيا لم ترحب بي يوما ، لم أعرف يوما معنى أن أمشي في شوارع طرابلس بدون أن أتعرض للتعليقات من كل جانب ، لم أعد أهتم مؤخرا بذلك ، سماعتي منحتني مهربا من كل ذلك الكلام المؤذي

كانت شوارع أنطاليا مختلفة ، رحبت بي تلك الشوارع و كأنني جزء منها ، كان المشي فيها مريحا لقدميّ عكس شوارع ليبيا التي كانت تؤذيهما في كل خطوة ، و كنت أرتاح نفسيا ، فلم أرى أحدا يحدق بي رغم ارتدائي لِمَ قد يعتبره الليبيون "عيبا " فلم أتعرض لنظرة واحدة سيئة بل لم أشعر بأي شخص يستهدفني و لم أتوخَ الحذر و أنا أمشي كما أفعل هنا
تلك المنطقة كانت كاليتشي أو" المدينة القديمة" في مدينة أنطاليا التركية ، بلد غريب عنّي و لغة غريبة عنّي و شعب غريب عنّي و لكنني شعرتُ بالإرتياح ، بعضهم سيسميه تناقض في نفسي و لكنه أبعد ما يكون عن التناقض ، فلا يعرف ما أتعرض له في كل مرة أختار السير على قدميّ إلا أنثى ليبية مثلي

كنتُ قد نسيتُ سماعتي في ليبيا و هو أمر اعتبرته كارثة ، فكيف سأتمشى دون سماعتي !! قررت أن أخرج في ثاني يوم لوصولي لأتمشى و بمفردي بعد أن ارتحت من تعب السفر ، كان يوما صيفيا حارا ، بلغت الحرارة 41 درجة مئوية في ذلك اليوم كما هي عادة في أنطاليا ، تمشيت في شوارع المدينة القديمة ، كانت شوارع صغيرة و ضيقة و لكنك قد تضيع بسهولة بينها ، كانت مليئة بالفتادق الصغيرة و كانت هذه الفنادق مليئة بالأجانب ، فلم أجد عربيا واحدا طول إقامتي هناك و بالتأكيد لم أجد أي ليبي فجميعهم كانوا يذهبون إلى المنتجعات بينما اخترت أنا أن أذهب إلى كاليتشي

كانت اللغة عائقا في البداية و لكن يمكن للإنسان الإتفاق دون كلام فلغة الإشارات أبلغ ، كان صباحا رائعا كما أذكر فلقد حفرتُ تلك المنطقة بأثار قدميّ ، تمشيت فيها لِمَ يقارب الخمس ساعات ، شربتُ ما يقارب عشر لترات من الماء ، و ضعتُ ثلاث مرات بين شوارع كاليتشي العديدة و المتشابهة ، و جلست في مقاهي المدينة القديمة أنصت لموسيقى تركية لا أعرف معنى كلماتها ، و أحيانا أستمع لنقاش بين تركيين أو أجنبيين ، جلست أراقب الشاطئ من على حافة حديقة عامة و رأيت عروسين يركضان معا في تلك الحديقة و يأخذان الصور ، بدا كل شيء كأنه مشهد في فيلم 

تذكرتُ ليبيا في تلك اللحظة ، ليبيا التي يُفترض أن تكون وطني و أرضي ، ليبيا التي يُفترض أن تمنحني الراحة التي لن تمنحها لي كل دول العالم ، فكرتُ كيف أنني تمشيت في شارع الجرابة قبل سفري بأسبوع و كم من تعليق تعرضت له ، فكرت فيما سأتعرض له لو خرجت هكذا في ليبيا ، تساءلت : متى !؟ متى سأتمكن من فعل كل ذلك في ليبيا ! متى سأرى عروسين يركضان بسعادة في منتصف حديقة بدل الإختباء في الصالات ليلا ! و كان لديّ أمل ذلك اليوم ، فأنا كنتُ قد شهدتُ على أول انتخابات فعلية في ليبيا ، و أول خطوة نحو الحرية "كما كنت أظن " و لكنني أتساءل اليوم أي حربة !



Friday 9 August 2013

رسالة عابرة لكِ

هل تذكرين ؟
كنتُ طفلة عندما أهنتني 
أشرتِ بإصبعك ناحيتي و قلتِ انظروا إليها
لم يكن ذاك ذنبي و لكنك استمتعتي بإهانتي
ألم أبدو بريئة بنطرك !! هل فعلتُ ما يؤذيك ؟
همستِ في أذانهن ، نساء كنتن جالسات تضحكن و تتهامسن 
ادعيتُ أني لم أسمع و لكني سمعت
ادعيت أني لم أفهم و لكني فهمت
و ادعيت أني لم أتأثر و لكن كلماتك طبقت غشاء أذني 
كلماتك ثبتت نفسها بمسمار في رأسي
ما زلت أذكر كل شيء و كل كلمة
و لن أنسى يوما كيف أهنتي طفلة في العاشرة من عمرها جاءت تلعب في منزلكم
و لن أنسى يوما ضحكات نساء على براءتي
لن أتمكن يوما من رد معروفك
نعم معروفك ، فأنت فتحتي عينيّ على عالم لم أكن أعلم بوجوده 
بفضلك أنا الأن من أنا عليها
شخص لن يفعل مطلقا ما فعلتي
شخص يقدس الطفولة و يقدس البراءة
و أنا لن أنسى ما أهنتني به
شيء خُلقت به 
شيء أفتخر به اليوم
فهو ما جعلني أنا
و أنتِ لن تبقي سوى إنسانة بالية بكيت بسبببها عدّة مرات
و لكن دموعي جفّت 
و عقلي تقبل وجود أمثالك
إلى اللقاء أيتها الإنسانة القبيحة
و شكرا

رصاصة

العب لكن احذر فهناك رصاصة 
استمتع و اضحك لكن احذر فهناك رصاصة
ضع سماعتك و استمع للموسيقى لكن أبقِها منخفضة و احذر فهناك رصاصة

هنالك رصاصة تنتظر لتنقض عليك
تنتظر وجهك أو صدرك أو قدمك
تنتظر جسدك الفاني لتنهي وجوده
و تنهي وجودك البائس 

تلك الرصاصة أتت من طفل أو من شاب 
هل ترى تلك الرصاصة ؟
بالطيع لن تراها فهي غير ظاهرة تأتيك في لحظة الغفلة
لن تراها لأنها أسرع من أن تُرى

ستأتيك بين عائلتك أو بين أصدقائك
ستأتيك و أنت تستمتع لأغنيتك المفضلة
ستأتيك و أنت جالس تفكر فيها

رصاصة ستنهيك بينما كان يُفترض أن تحميك
هل رأيت رصاصة يوما ؟
إذا كنت ليبي فالبتأكيد قد فعلت ، هل لاحظت حجمها الصغير .. حجمها كحجم إصبعك الصغير أليس كذلك 
هل تساءلت عندما أمسكتها إن كانت ستقتلك ! أنا لم أفعل 
رأيتها و أمسكتها فحسب ، لم أفكر يوما أنها سوف تستهدف جسدي و تدمر روحي
لا أظن أحدا فكّر في ذلك
كلنا لا نفكر ، فكيف بهذه الرصاصة أن تستهدفني أنا من بين كل الناس
من بين 7 مليار شخص 
أنا ! لا أصدق 
و لكنها تستهدفنا كلنا ، إنها السلاح الأمثل 
فقط رصاصة كافية لإنهائك و إنهائي 
رصاصة كافية لنختفي و نصبح أشباح