جلست في العبّارة تتنشق نسيم البحر ، لم يكن
على يسارها أحد على عكس يمينها الذي كان مملوءا بالناس ، كانت هناك امرأة بجوارها
تتحدث لغة البلد الغريب التي هي به ، لم تفهم ما تقوله هذه المرأة فهي لا تتحدث
هذه اللغة و لكنها علمت بأنه مجرد حديث ، حديث عادي كما يبدو ، و لكنها لا تملك هذا الحديث العادي
، فرغم الضجيج حولها لا تملك حديثا عاديا تشارك به بل لا تملك حتى حديثا عاديا
تستمع إليه ، فكل شيء غريب حولها ، و هي غريبة عن نفسها ، و عن من تكون و غريبة عن
وحدتها ، كانت تمسك ورقة و تكتب ، ثم تكتب أكثر و هي تستمع لموسيقاها ، و لكن لا
فائدة فهذه الوحدة لن تنهيها الموسيقى و لا الكتابة ..
توقفت لحظات تنظر للبحر، لم يعد لديها ما تكتب ، ثم يعتصرها الندم
لنسيانها كتابها فتزداد الوحدة ، فلا مهرب سوى البحر أمامها و الموسيقى في أذنيها
، تغني و تستمع جيدا ، تحاول إيقاف عقلها عن العمل لمدة قصيرة فحسب ، و لكن العقل
لا يتوقف أيضا ، ساعتها تشير إلى الخامسة أي أنه أمامها 45 دقيقة من هذا الشعور
المرعب المسمى وحدة و من هذه الأفكار السوداء التي تنتابها ، تنظر حولها ، مازال
الجميع يتحدث و بانسجام ، تتساءل في نفسها " هل شاركت يوما في حديث بمثل هذا
الإنسجام ؟! " يبدو أن جميع من حولها وجدوا مكانهم الملائم ، و يبدو أن
جميعهم في مكانهم الصحيح الأن إلا هي ، فهي وحيدة بدون أحد سوى عقل يتعبها و جسد
فانٍ يسجنها و عبّارة صغيرة تحملها و ماء كثير يحيط بها
وصلت العبّارة ستذهب مُسرعة لتجد شخصا تتحدث
معه علّها تنسى وحدتها التي تدرك أنها لن تذهب و لكنها لا تريدها أن تذهب هي فقط
تريد نسيانها قليلا