Sunday 26 January 2014

مستعبدات

 للعبودية أشكال أخرى، غير ذلك الشكل التقليدي الجسدي الذي نعرفه جميعا، يمكنك أن تكون عبدا دون أن تعرف، هذا ما يحصل للعديد منا 
يوجد العبودية الدينية، تلك العبودية التي تسببت بموت هيباتيا، لا أظن أنهم قتلوها لأنهم كرهوها وأرادوا قتلها، هم لم يعرفوها حتى لكي يكرهوها ويرغبوا بقتلها، هم سمعوا عن كره اللأب كيرلس تكلم عنها بتلك الطريقة الشائنة في قدّاس ذلك اليوم، وظنوا أن الله يكرهها وأنه يريد موتها، فقتلوها بتلك الطريقة الشنيعة، قتلوها لأن الله أراد منهم ذلك ولأن اللأب كيرلس عبّر عن أراء الله في قداس ذلك الأحد المشؤوم
هناك منا من هو عبد لأراء غيره، ليس لأنه أراد أن يكون عبدا، بل لأنه نشأ في بيئة استعبادية، تستعبد الفكر والعقل قبل أن يولدا، ليكبر ذلك الطفل ليستعبد نفسه، لا إدراك له أنه مستعبد وهذا ما يجعل استعباده أسوأ

نحن جميعنا عبيد لشيء ما، عبيد لرغبات أو أفكار أو أراء أو أيدلوجيات، بعضنا يدرك أنه عبد تلك الأشياء وهذا ما يجعل استعباده شيئا لا يلاحظ، بل أحيانا يتحول هذا العبد إلى شخص حر من رغباته، أما في الناحية الأخرى فتجد أولئك المتطرفون لشيء ما، أولئك المدافعون عن شيء لا يفهمونه ولا يستطيعون التكلم عنه، ولكنه يمثل كل ما يملكون، أولئك الذين يتجاوزون المنطق في الحديث، أولئك الذين لا يملكون في الدفاع عن أفكارهم سوى أقاويل

المرأة الليبية هي أحد تلك الكائنات المستعبدة لا شعوريا، كنت في لحظة ما سأعمم هذا الاستعباد ليطال كل النساء العربيات، ولكن تثبت المرأة العربية وجودها في العديد من الدول الأخرى عدا ليبيا

المرأة قادرة على تغيير مجتمع أكثر من أي رجل أو سلطة، أذكر أنني قرأت عن  النساء في تونس اللواتي خرجن في تظاهرة للترحيب بقرار بورقيبة بإعطاء المرأة حقوقها، وها هن مجددا يخرجن قبل أيام للاحتفال بدسترة المساواة في دستور الدولة التونسية، لم يكن بإمكاني وأنا أقرأ تلك المقالات التي تحدثت عن المرأة التونسية سوى التفكير في أن المرأة الليبية لو جائتها نفس الحقوق فستخرج للتنديد بهذه القرارات وترفضها رفضا تاما، لن يكون للرجل علاقة بالأمر بقدر ما أن عبودية هؤلاء النساء تجعلهن ينظرن لحقوقهن كأنها شيء محرم وممنوع

يكاد يبلغ تعداد الأنثى الليبية الأربع ملايين، أكثر من تعداد الذكر الليبي، ولكن وجودها أقل منه بكثير، ربما لأن وجودها منزلي فحسب، بين جدران المنزل والأب والأخ والزوج وثم الابن، وبين كل هذه الجدران لا تكون للمرأة هوية حقيقية، ولا رغبات حقيقية، بعض الأحيان سيتمرد عقلها، سيريد لها عقلها أن توجد فعلا كإنسان حقيقي غير مستعبد، لكن جلسة حديث واحدة مع مستعبدات اخريات ، في ستغير لها رأيها، في الواقع هذه الجلسات التي ستتكرر باستمرار في المدارس والمناسبات الاجتماعية ستجعلها كائن لا يبحث عن نجاحه سوى بالزواج من رجل، أما النجاح الأكبر فهو أن تتزوج رجلا يبيض الذهب والمجوهرات

أحاديث الليبيين نساءا ورجالا لا تتجاوز القرمة "النميمة" وبعض التحليلات السياسية، في الواقع هذه التحليلات السياسية التي عادة ما تكون تافهة وخالية من أي صحة هي أمر جديد للحديث عنه، ذلك أنه قبل ثلاث سنوات فقط لم نملك سوى القرمة كأحاديث يومية

كتبت ستاتوس على الفيس بوك أنها في علاقة، قليل من الجرأة جعلها تفعل ذلك، ذلك أنها جعلت هذا الستاتوس خاصا بالأصدقاء مع التأكد من أصدقائها جميعهم أشخاص لن يمانعوا هكذا ستاتوس، بالأخرى أصدقاء افتراضيون لا يعرفون أهلها أو إخوتها، في الواقع جرأتها هذه غير موجودة، غير أن خوفها وتأكدها من ما سيظنه الأخرون بها بل وربما ما سمعتها أمام عريس الغفلة التي ستثير إعجاب أمه في أحد الأعراس يجعل من هذه الخطوة أكثر الخطوات الجريئة والمتمردة

الوجود الجسدي يختلف عن الهوية، المرأة الليبية موجودة جسديا ولكنها دون هوية، دون شخصية ودون أراء، هي مجرد امتداد لأيدلوجيات أخرى استعبدتها منذ طفولتها، ورغبات أخرى تستعبدها في كبرها

الإنسان لا وجود لأرائه معظم الوقت، عقلية القطيع هي التي تنتصر دائما، استعباد المرأة الليبية لنفسها هو عقلية القطيع، في العديد من الفرص المختلفة كان يمكن أن تتواجد هوية للمرأة الليبية ولكن هذه الهوية عادة ما تقف في مواجهة عقلية القطيع، التي تنتصر دائما، تنتصر لأن الأراء المختلفة تخاف أن تسير بمفردها بعيدا عن القطيع الذي يحميها

قبل فترة قصيرة نسبيا، قرأت مقالة عن امرأة مغربية تحصلت على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي أعلى جائزة يمكن أن يحصل عليها شخص يناضل لأجل حقوق الإنسان، في البداية ظننت أنها تناضل لأجل حقوق المرأة أكثر منه لأجل حقوق الإنسان ذلك أنها نفسها امرأة، ولكن مع استمراري في قراءة المقالة أدركت أنها فعليا تدافع عن حقوق الإنسان وليس المرأة، بل هي تدافع عن حقوق المرأة كونها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، أذكر أني حينها شعرت بالخزي لأني يوما فكرت في الدافع عن حقوق المرأة، بل سألت نفسي مرارا وتكرارا كيف سأدافع عن شيء لا وجود له ؟! ولم أجد أي إجابة مرضية

كل أفكاري السابقة طرحت عليّ تساؤلا واحدا، ماذا عن الرجل ؟! في الواقع للرجل هوية، هوية تفرض تفسها بقوة في الشوارع والبيوت وأماكن العمل، هوية تفرض نفسها في المجال الفني الغير موجود في ليبيا، يوجد كتاب ليبيين شباب، بأحلام لنشر كتب و بمقالات تنشر يوميا، لا وجود لهكذا نسوة في ليبيا، وإن وجدن فهن قلّة يمكن عدّهن على أصابع اليد الواحدة 


يزعجني للغاية أن لا هوية لنا، ربما هذا يفسر صداقاتي القليلة مع الليبيات، بل و ربما صمتي الدائم في حضورهن، خصوصا تلك  الأحاديث العشوائية القصيرة التي عادة ما نجدها في طابور انتظار في مشفى أو في نادي رياضي... إلخ، في الواقع أنا لا أكرههن بل أشعر بالشفقة على نفسي لأنني لا أشاركهن اهتماماتهن، هذا يجعلني عادة أجلس في الزاوية أدّعي أني لا أسمعهن يتحدثن عنّي أو ينظرن إليّ بنظرتهن تلك المخيفة، ولكن هذا أفضل من الشعور بالملل وأنا أستمع لهن كل تتحدث عن زوجها أو حبيبها أو خطيبها كأنه كنز، تفتخر بتلك الهدية الصغيرة التي لم يحضرها لها على الإطلاق، أحاديثهن بين نميمة نساء أخريات وبين هدايا وفضائل رجالهن عليهن

بالأمس أخبرتني أمي أن صديقاتها أو بالأحرى زميلاتها سألنها عنّي، قالوا لها هل ابنتك غبية لتتعلم الألمانية أم هي فلتة "متفوقة" في اللغة الإنجليزية ؟! اجبت في حدّة أجل، أخبريهن أنني فلتة في الإنجليزي

غضبت للحظة ثم شعرت بالشفقة عليهن، في الواقع لولا شفقتي عليهن لما صمدت في هذا المجتمع البائس

Friday 3 January 2014

بقايا حياة

استيقظت مبكرا كعادتها كل صباح، ورغم أنها لم تعمل يوما إلا أن الاستيقاظ باكرا كان نشاطا مارسته طول حياتها تقريبا بحيث أنها لم تعرف وقتا غيره للاستيقاظ، أخذت كوب الماء من جانب سريرها وشربته جرعة واحدة، ثم وسريعا طقطقت أصابعها في حركة اعتادتها تريحها من ألم مفاصل يدها قليلا وفتحت اللابتوب، دخلت سريعا لجميع مواقع التواصل الإجتماعي وكتبت "صباح الخير جميعا، وأتمنى لكن يوما جميلا على أنغام فيروز" ثم ذهبت للحمام لتغتسل وتنزل لتفطر

تستغرق طويلا في أكل فطورها كجميع زملائها، صوت الملاعق والصحون و الكؤوس وأصواتهم التي تتحدث عن ذكرياتهم وعن ما سيفعلونه بعد الإفطار مشهد مككر بالنسبة لها، هي لا تشارك في المشهد بل تراقبه من بعيد بحرص شخص لا يريد المشاركة في الحديث المكرر، تراقب الحديث وتسهو عنه في أفكارها في محاولة لتخيل عدد اللايكات والتعليقات التي تنتظرها

إنها الثانية عشرة ظهرا تفكر في سرعة مرور الوقت، في كل صباح تصبح حركتها أبطأ، تذهب سريعا لغرفتها، ليس سريعا فعلا بل أقصى سرعة يمكن لجسدها أن يعينها عليها وتكتب مجددا بعد التعليق على ما كتبه كل أصدقائها الافتراضيين "زحمة خانقة ومزعجة"

تمسك كتابا كانت الممرضة قد أحضرته لها بعد إصرارها عليها، وتقرر إمضاء فترة الظهيرة تقرؤه، هذا كتابها الخامس الذي تقرؤه مع نادي القراءة المشاركة فيه، في الواقع هي لم تكمل سوى كتابين فبصرها لا يعينها على إكماله كما أن نظاراتها أصبحت قديمة وغير صالحة سوى لزيادة حدّة صداعها، ولكنها تدّعي أنها أكملتها، وليقتنع الأخرون بذلك تقوم بوضع اقتباس عادة ما تختاره من الأجزاء الأولى من الكتاب الذي تقرؤه، أصدقاؤها الافتراضيون لم يلاحظوا ذلك وهذا يسعدها كثيرا

سرعان ما أتت الرابعة، تنزل ببطء على الدرج في محاولة منها اتجنب الوقوع مجددا، فهي لا زالت تذكر وقوعها قبل سنتين، في الواقع لا زالت تشعر بألامها، رائحة الغذاء لم تعد تغريها كما السابق رغم أنها جائعة، فالأكل نفسه يتكرر منذ خمس سنوات بنفس الرائحة والشكل والطعم، ولكنها تأكل بأي حال وإلا فإن دواءها سيسبب لها ألاما حادة إن أخذته ومعدتها خاوية، تقرر هذه المرة المشاركة في الحديث بدل مراقبته، ولكنها لا تجد كلمات مناسبة لتقولها فتبقى صامتة وتتمنى لو أن الكلام كان مثل الطباعة، لكانت قالت الكثير

تنتظر الثامنة بحماس، فبعد الغذاء الذي استغرق منها وقتا طويلا لعبت "الكارطة" مع زميلتها في محاولة منها لتمضية الوقت، تراقب عقارب الساعة تتحرك ببطء. هاقد أتت الثامنة، تركب الدرج ببطء هذه المرة لأن أضواء الدرج خافتة، لقد أخبرتهم أكثر من مرة أن يصلحوا الأضواء لكنهم لم يهتموا بكلامها، تصل لغرفتها بمساندة من عكازها الذي يسندها ولكنه أيضا يزيد من ألام مفاصل يدها

تجلس على الكرسي، تفتح اللابتوب والكتاب أيضا وتبدأ بكتابة الجزء الذي تريد اقتباسه من هذا الكتاب الذي قررت عدم إكماله، و بعد هذا تجلس وتراقب وتكتب وتضحك في محاولة منها لمجاراة الحياة

منتصف الليل، انطفأت أضواء غرفتها منذ ساعتين ولكنها لم تهتم، ففي وسط هذه السعادة الذي تنتابها تجد صعوبة في الخلود للنوم فقط لأن أحدهم أطفأ الأضواء، ورغم أن هذا يزعجها إلا أنها لن تدع هذا الأمر يفسد عليها السعادة القليلة التي تنتابها في هذا الليل المظلم

ينتهي يوم هذه العجوز السبعينية في استغراقها خمس دقائق للوصول لسريرها في هذا الظلام، بل تزداد صعوبة الوصول للسرير عندما يقوم ذهنها بنسج سيناريوهات لتعثرها ووقوعها، إن ذهنها يزعجها أحيانا لأنه لا يكتفي بتخيل الوقعة بل يحرص على تذكيرها بلألام جميع وقعاتها

تصل العجوز للسرير منهكة، وتنهي يوما أخرا تشطبه من حياتها، لا تفكر في الغد لأنها تدرك أنه سيكون كاليوم تماما، لكنها تستعيد ذكريات اليوم المضحكة في حياتها الافتراضية وتنام


هذه العجوز في ممارستها الحياة الافتراضية وجدت حياتها، فهي عكس جميع العجزة حولها في دار الشفاء للعجزة التي وضعها فيه أبناؤها تمارس نوعا من الحياة، بل أنها تعيش شبابها، فهي لا تذكر من شبابها سوى المطبخ والأبناء والمنزل، ولا تذكر أنها ضحكت في شبابها الحقيقي كما تفعل في شبابها المزيف

فالحياة الافتراضية أفضل من اللاحياة

Monday 11 November 2013

قصة قصيرة : زقاق

"إنه مطر .. إنه مطر"
يصرخ خليفة و هو يجري تجاه منزله بعد أن ابتلت ملابسه من اللعب تحت المطر ، يسرع نحو منزله الواقع في نهاية الزقاق الضيق الرملي ، الأرض لم تعد رملية بعد هذا المطر الغزير ، أصبحت طينية مزعجة ، لكن خليفة سعيد اليوم في هذا المساء الممطر ، إنها أمطار نادرة في هذه الصحراء فلهذا تجد من المعتاد أن يحب الناس المطر رغم أنها ُتغرق مدينتهم في اليوم التالي ...
وصل خليفة إلى منزله سريعا ، دخل سعيد يصرخ "إنه مطر" ، سرعان ما استوقفته أمه لتصرخ عليه "لا تدخل بحذائك لقد نظفت المنزل للتو" ، الأم سعيدة بالأمطار و لكن شوارع بيتها الطينية تُنهكها دائما ، فالطين عادة ما يعلق في الأحذية و الملابس ، و لكن حتى إنهاكها لا يجعلها تكره المطر ، إنها فقط تكره حياتها و شوارع بيتها

"اخليفة ، اخليفة" ينادي محمد جاره خليفة للذهاب للمدرسة معا ، خليفة يكره أن يُنطق اسمه بهذه الطريقة و يفضل خَلِيفَة ، و لكن هذا شيء لا يحصده عادة
خليفة يكره أيضا شوارعه كأمه ، يكره هذه الأزقة الضيقة التي تفوح منها رائحة الطعام ظهرا ، في تلك الساعات حين تختلط رائحة طبخ كل المنازل الملتصقة ببعضها ، فتصبح الرائحة مقززة و المنطقة مكان ليس من المناسب الوجود فيه ، خليفة يكره أيضا الصباح التالي للمطر عندما تغرق شوارع منطقته في الطين و الماء ، فيصبح السير فيها مزعجا و الركض فيها مستحيلا
هو أيضا يكره حياته هنا ، يكره بشدة الملل الذي يصيبه كل مساء ، يكره أنه لا يستطيع الإستماع للموسيقى متى أراد ، يكره اسمه أيضا ، لم يكرهه في السابق لكنه يفعل الأن منذ أن بدأ الجميع بمناداته اخليفة ، دائما ما يخبرهم ألا ينادوه هكذا و لكنهم لا يستمعون له
فرحة المطر مستمرة رغم أن أثارها سيئة ، هكذا تمضي الأيام الممطرة على ليبيا ، صحراء تنزل عليها أمطار ، و كأنه حلم تحقق ، و لكن هذا الحلم سرعان ما يتحول لكابوس اليوم التالي
لازال خليفة سعيدا بالمطر ، إنها إحدى الأشياء الصغيرة التي تسعده في هذه الهاوية ، لكنه يكره أن يسكن في فشلوم وسط هذه الأزقة الضيقة ، يتجنب الخروج من المنزل في هذه الأيام و لكن الملل يقتله إن لم يفعل
يشعر بالتناقض في نفسه ، حبه للمطر و كرهه لأثارها ، يتمنى المطر و لكنه يفكر طويلا قبل أن يتمناها ، يتمنر أن يغادر يوما دون عودة ، يغادر فشلوم ، يغادر طرابلس و يغادر ليبيا ، إلى مكان بارد و ممطر و لكن لا طين فيه ، فقط الحياة هناك ، هناك حيث سيحيا كإنسان يُلقبونه خَلِيفة

Sunday 3 November 2013

في مدينتي

مدينتي تفوح رائحتها بالدماء ، يقولون دماء مباركة و أنها دماء شهداء ، كنتُ أصدق ذلك و لكن ليس بعد الأن
مدينتي لم تعد كما كانت مجرد خراب ، اليوم هي خراب ملطخ بالدماء ، خراب غارق في الكذب و الإدّعاء
أحب مدينتي رغم كرهي لحياتي فيها ، أحب دولتي رغم عدم احتمالي لوجودي فيها ، و أحب شعبي رغم أنني أكره كل ما يفعلون
مرتبطة بهذه الأرض أكثر مما أرغب ، و بهذه المدينة أكثر مما أحب
لطالما كانت مدينتي خرابا ، و لكنها كانت خرابا مقبولا ، كانت مكانا تستطيع العيش فيه و الضحك فيه من قلبك و أن تستمع فيه للموسيقى براحتك ، كانت مدينتي مليئة بصوت لعب الأطفال و ضحكاتهم ، كانت تفوح منها رائحة البحر الذي تُطل عليه ، كانت مكانا يمكن العيش فيه بطريقة مسالمة 
مدينتي اليوم مختلفة ، سنة 2011 غيرتها ، حولتها لساحة حرب ، لم تعد هناك موسيقى في شوارعها ، فالموسيقى أصبحت محرمة ، لم نعد نرى الأطفال يلعبون و يضحكون ، فكل منهم استبدل أصدقاء طفولته بأيفون و أيباد ، ، لم نعد نسمع سوى أصوات الرصاص و الألعاب النارية ، أصبح الرصاص موسيقانا المزعجة التي نرقص عليها ، أصبح الرصاص صديقنا المفضل الذي ننام و نستيقظ على صوته ، أصبح البارود و الدم الرائحة المفضلة لنا ، الرائحة التي علقت بأجسادنا ، أجسادنا تبكي و روحنا تصرخ و لكننا لا نسمع سوى صوت الرصاص و نتساءل : من ستختار الرصاصة في المرة القادمة ؟ و أن نتمنى أن تأتي رصاصتنا عاجلا قبل أجلا

كان الموت يوما شيئا مهما ، أما اليوم فنسمع خبر موت فلان و نتساءل فقط هل هي رصاصة من أخيه أو أبيه أو ابنه ؟ هل مات في حادث سيارة و هو يهرب من محاولة قتل ؟ 
قبل أسابيع مات 3 شباب ، مراهقون بالأحرى ، كانوا في سيارة عندما دهستهم حافلة ، كان طريقا سريعا و كان هؤلاء الشباب يتحرشون بالفتيات في سيارة أخرى ، حتى أنهم صدموا السيارة التي كانت تسير بسرعة 100 كيلو متر ، فقدت الفتاة السيطرة على السيارة و فقد المراهق أيضا أما الحافلة فقد أتت فجأة لتصدم سيارة المراهقين ، الفتيات كنّ في حالة خطيرة في المشفى ، لا أعرف مصيرهن و لكنني أرجح أنهن توفين جميعا
الموت شيء طبيعي و هو جزء من الحياة ، لكن الموت طغى على مدينتي ، أصبح الموت هو الحدث الرئيسي بها و هو ما يدور حوله   شيء ، مدينتي أصبحت تفوح بجثث القتلى المتعفنة و بأصوات الرصاص القاتل و شوارعها أصبحت مغطاة بدماء أبنائها
في مدينتي نحن خبراء أسلحة ، في مدينتي نميز بين أصوات الأسلحة ، في مدينتي ننام على صوت الرصاص الذي لا يتوقف أبدا ، في مدينتي فقدنا الشعور بالحياة و فقدنا الأمل و كل ما بقي منا ينتظر رصاصته المقدسة لتصيبه ، إنه الرمق الأخير من الأمل


Saturday 2 November 2013

يا لها من إجابة ..

في لقاء ملالا يوسف مع جون ستيوارت في أحد البرامج الأمريكية ، سألها جون ستيوارت عن ردّة فعلها عندما علِمت أن طالبان يريدون قتلها !
 تساءلت ملالا بعدما علمت أن طالبان يريدون قتلها عمّا ستفعله لو جاء أحدهم ليقتلها ، في البداية قالت أنها ستأخذ حذاءها و ترميه عليه ، ولكن كما تقول ملالا حينها فكرت أنها إن فعلت ذلك فلن يكون هناك فرق بينها و بين طالبان و أنها لا يجب أن تعامل الأخرين بخشونة و وحشية و أنها لابد أن تقاتل الأخرين و لكن بسلام ، ثم ستحدثه عن أهمية التعليم و أنها تريد التعليم للجميع ثم ستقول له افعل ما تريد ..
هذا باختصار ما قالته ملالا ، ردّة فعلي الأولى كانت الإنبهار كما هي ردّة فعل جون ستيوارت و العديدون ، انبهار مترافق مع إعجاب و تقدير كبير لهذه الإجابة ، و لكن سرعان ما تغير رأيي
أنا لا زلتُ معجبة و منبهرة بالإجابة لأن ملالا فكرت يوما في التعامل هكذا مع شخص قادم لقتلها ، و لكن هذا الإعجاب لم يعد كبيرا كما كان ، تبدو إجابتها كأحد فصول رواية رومانسية رديئة ، لا يمكن على الإطلاق أن تُصدق و لا أن تُنفذ على الواقع ، إذا جاء طالبان لقتلها لن يمنحوها حتى الوقت لإلتقاط حذائها و رميه عليهم فكيف بأن يسمحوا لها بالتكلم معهم
السلام الذي تتحدث عنه ملالا غير موجود ، السلام سيكون موجودا عندما يتوقف أحدهم عن مهاجمة الأخر فقط لأنه مختلف ، ملالا مختلفة لهذا هاجمها طالبان ، السلام هو أن لا تهاجم أحد أخر لا أن تتوقف عن الدفاع عن نفسك
ما غفلت عنه ملالا أنها ليست مثلهم إذا رمتهم بالحذاء و هربت ، فهذا دفاع عن النفس و هذا ليس خرقا لأي سلام ، خصوصا ذلك السلام الغير الموجود
أنا لو كنتُ مكانها كنتُ لأرميهم بكل شيء يمكنني رميهم به ، كنتُ لأقتل أحدهم لأعيش ، و لم أكن لأرضى أن أموت دون قتال على يد إرهابي و قاتل ، و لكنني لست مكانها فهي تلك المراهقة التي وقفت ضد طالبان ، ذلك التنظيم الإرهابي المتشدد الذي يقتل الناس و يحرمهم من أبسط حقوقهم ، لكن كل هذا لا يجعل إجابتها منطقية و لا سليمة يجعلها فحسب إجابة محاطة بقدر من الزهو و الجمال ، كالنهاية السعيدة في إحدى الروايات
أراهن أن الجميع تخيل أن هذا الرجل سيستمع إلى ملالا و سيقتنع بكلامها و سيحميها ، أمر يدفعني للإبتسام أن يتخيل الناس هذه النهايات السعيدة رغم كل البؤس حولهم ، إجابة ملالا هي النهاية السعيدة لقصة سندريلا و بقائها سعيدة للأبد مع أميرها الفاتن\


وهم السعادة الأبدية و السلام الدائم و انتصار الإنسانية و المثالية البشرية يتمثل في إجابة ملالا الجميلة ، و يا لها من إجابة ..

Wednesday 30 October 2013

قصص الطفولة : أشرف و هناء

طبيعي جدا أن تشتاق لطفولتك فهي أحلى سنوات العمر لأنها ببساطة كانت تسير دون إدراك منا ، كانت بريئة و جميلة و هذا ما نفقده مع العمر
بعض الأحداث من الطفولة تبدو خيالية و هذه قصة لا يمكنني تأكيد إن كانت حقيقة أم هي من نسج خيالي الطفولي بل ربما حتى من نسج خيالي و أنا في هذا العمر و لكنها قصة أؤمن بوجودها و إن كنت لابد أن أضفت فيها فجعلتها درامية 

تحدث القصة داخل أحد عمارات زاوية الدهماني
كان هناك "أشرف" الذي يسكن في الطابق الأول من العمارة ، كان شابا وسيما و ربما الأكثر وسامة بين سكان 32 شقة في هذا المبنى ، كان طويل القامة و رياضي و أبيض البشرة و كان شخصا نشطا للغاية 
و كانت هناك "هناء" تقطن في أحد شقق الطابق السابع ، كانت جميلة أيضا و هي الأجمل بالتأكيد بين فتيات هذا المبنى و كان تملك عيونا زرقاء جميلة
كانت توجد علاقة بين أشرف و هناء _كما أذكر أو كما أتخيل_ و كنت دائما أعتقد أنهما سيتزوجان بعد تخرج هناء

فجأة اختفى أشرف لفترة و كذلك هناء ، عاد أشرف بعد فترة في كرسي متحرك ثم بعد فترة تمكن من المشي بالعكاز و هذا أخر ما أعرفه عن تحسن أشرف ، أنه تمكن من المشي بالعكاز
أشرف كان مصابا بورم دماغي ، ليس سرطانا و لكن هذا الورم سبب له شلل نصفي بحيث لم يعد يستطيع استخدام أحد نصفيّ جسده و أصبح أعرج على العكاز
انتقل أشرف بعد فترة من العمارة مع أمه و أخته ، بعد أن فقد كل حيويته التي كانت تحيط به ، كان شيئا مؤسفا رؤيته هكذا 

بعد كل هذه السنين ، أتت لأمي دعوة زفاف من أم هناء "أمنة" ، تفاجأت قليلا فبعد كل هذه السنين من الفرقة ما زلنا على تواصل معهم و لكن سرعان ما تذكرت أشرف الذي اعتقدت أنه سيزوج هناء و سيكونان ثنائي هذا المبنى
تزوجت هناء كما يقولون من رجل غنّي و لا أدري ما جرى لأي منهما
زواجها قضى على أحد خيلاتي الطفولية عن الحب الجميل و التي كانا هناء و أشرف بطلاها و لكن رغم معرفتي بأن كل ما جرى في ذهني قد يكون خطأ إلا أنني أستمتع أحيانا بتخيل حب أشرف و هناء 


Tuesday 29 October 2013

من الطفولة : ما ظلّ سرا

كانت معلمة الإنجليزي لصف التاسع و كان اسمها سعاد
اسم سعاد ارتبط كثيرا بحياتها و سيرتبط للأبد و الأكيد أن لا علاقة لهذه المعلمة بهذا الإرتباط
استرحتْ لهذه المعلمة الجديدة في السنة المصيرية "سنة الشهادة" و أُعجبت بها فهي كانت معلمة إنجليزي جيدة رغم كل شيء و من القلة الجيدين
مرّت الأيام و هي تدرس في ظل هذه المعلمة التي أثبتت جدارتها في التعليم و في نفس الوقت غرورها و نرجسيتها التي لا أحد يعرف مصدرها
كانت المدرسة التي تدرس فيها هذه الفتاة مختلطة على غير العادة في مدارس بلدها ، و لكن على غير العادة أيضا كان يوجد 4 أو 5 طالبات إناث في كل فصل  من أصل 20 طالبا أو أكثر في الفصل
لم يُمثل هذا مشكلة لا للمعلمات و لا الطلبة و لم يكن ساريا في ذاك الوقت فكرة الإختلاط في ذهونهم على الإطلاق
سرعان ما تغيرت تصرفات المعلمة مع أول امتحان فأحبت المتفوقين و كرهت الراسبين ، استمر هذا طول الفترة الأولى التي ترافق معها كره العديد من الذكور للمعلمة و خصوصا الذين رسبوا فيما سبق و هذه السنة الثانية أو الثالثة لهم في نفس المرحلة
أتي الإمتحان النهائي و تصاعدت معه وتيرة التوتر الذي سرعان ما تحول لمضابقات يتبادلها الطرفين أو كما نقول بالشعبي "تلقيح" ثم أتت العطلة
بعد العطلة و عودتنا للمدارس تم توزيع بطاقات دراجاتنا التي نجح و رسب فيها العديدون و كان معظم الراسبين في الإنجليزي 

و كرَدِّ فعلٍ على الرسوب قام أحد الطلبة ذات يوم برمي ورقة على ظهر المعلمة أثناء كتابتها الدرس ، فالتفتت لتبدأ بالشتم كلمات كانت شائعة "حمار ، كلب ..." ثم فجأة و من دون إنذار طلبت من جميع الإناث الخروج من الفصل و اللواتي كنّ 4 فحسب
خرجت الطالبة مع زميلاتها و وقفن أمام باب الفصل ريثما تنهي المعلمة حديثها و الذي اختارت أن توجهه للذكور فقط
الفضول كهاجس بشري سيطر في هذه اللحظة على ذهن الطالبة التي سرعان ما أرادت أن تعرف ما تقوله المعلمة للطلبة فحسب و التي كونت العديد من النظريات كان أكثرها إقناعا أنها ستقول كلاما للذكور لا ينبغي أن تسمعه أنثى ، شتما من نوع أخر لم يكن شائعا
قضت المعلمة الكثير من الوقت مع الذكور حتى انتهت الحصة و رنّ الجرس ، خرجت المعلمة و لم تتبين الفتاة ملامح وجهها و لكنها سرعان ما رأت ملامح الذكور في الفصل ، ملامح مصدومة و وجوه مُصفرة من الجميع ، ثم سرعان ما بدأ أحد الذكور بالضحك على االمعلمة و التعليق
لم تتبين الفتاة ما قالته أو فعلته المعلمة ذاك اليوم و رغم فضولها الشديد إلا أنها قررت ألا تسأل
حدث موقف أخر مع المعلمة هذه ، فبينما كان أحد الطلبة يضايقها بالكلمات التي لم يوجهها الطلبة إلا لهذه المعلمة ، سألته فجأة : أين تسكن ؟
أجابها الطالب أ،ه يسكن في زاوية الدهماني
فكان رد المعلمة : طبيعي إذا أن تكون شخصا منحرفا "صايع" هذا طبع سكان زاوية الدهماني و ليس مثلنا سكان فشلوم فنحن راقون و متحضرون
دار في ذهن الفتاة شيء واحد : أنا أيضا كنت من سكان زاوية الدهماني و ما تقولينه ليس صحيحا .. و لكنها فضّلت الصمت  فرغم كل شيء كانت هذه المعلمة تحبها و تعاملها جيدا