Sunday 3 November 2013

في مدينتي

مدينتي تفوح رائحتها بالدماء ، يقولون دماء مباركة و أنها دماء شهداء ، كنتُ أصدق ذلك و لكن ليس بعد الأن
مدينتي لم تعد كما كانت مجرد خراب ، اليوم هي خراب ملطخ بالدماء ، خراب غارق في الكذب و الإدّعاء
أحب مدينتي رغم كرهي لحياتي فيها ، أحب دولتي رغم عدم احتمالي لوجودي فيها ، و أحب شعبي رغم أنني أكره كل ما يفعلون
مرتبطة بهذه الأرض أكثر مما أرغب ، و بهذه المدينة أكثر مما أحب
لطالما كانت مدينتي خرابا ، و لكنها كانت خرابا مقبولا ، كانت مكانا تستطيع العيش فيه و الضحك فيه من قلبك و أن تستمع فيه للموسيقى براحتك ، كانت مدينتي مليئة بصوت لعب الأطفال و ضحكاتهم ، كانت تفوح منها رائحة البحر الذي تُطل عليه ، كانت مكانا يمكن العيش فيه بطريقة مسالمة 
مدينتي اليوم مختلفة ، سنة 2011 غيرتها ، حولتها لساحة حرب ، لم تعد هناك موسيقى في شوارعها ، فالموسيقى أصبحت محرمة ، لم نعد نرى الأطفال يلعبون و يضحكون ، فكل منهم استبدل أصدقاء طفولته بأيفون و أيباد ، ، لم نعد نسمع سوى أصوات الرصاص و الألعاب النارية ، أصبح الرصاص موسيقانا المزعجة التي نرقص عليها ، أصبح الرصاص صديقنا المفضل الذي ننام و نستيقظ على صوته ، أصبح البارود و الدم الرائحة المفضلة لنا ، الرائحة التي علقت بأجسادنا ، أجسادنا تبكي و روحنا تصرخ و لكننا لا نسمع سوى صوت الرصاص و نتساءل : من ستختار الرصاصة في المرة القادمة ؟ و أن نتمنى أن تأتي رصاصتنا عاجلا قبل أجلا

كان الموت يوما شيئا مهما ، أما اليوم فنسمع خبر موت فلان و نتساءل فقط هل هي رصاصة من أخيه أو أبيه أو ابنه ؟ هل مات في حادث سيارة و هو يهرب من محاولة قتل ؟ 
قبل أسابيع مات 3 شباب ، مراهقون بالأحرى ، كانوا في سيارة عندما دهستهم حافلة ، كان طريقا سريعا و كان هؤلاء الشباب يتحرشون بالفتيات في سيارة أخرى ، حتى أنهم صدموا السيارة التي كانت تسير بسرعة 100 كيلو متر ، فقدت الفتاة السيطرة على السيارة و فقد المراهق أيضا أما الحافلة فقد أتت فجأة لتصدم سيارة المراهقين ، الفتيات كنّ في حالة خطيرة في المشفى ، لا أعرف مصيرهن و لكنني أرجح أنهن توفين جميعا
الموت شيء طبيعي و هو جزء من الحياة ، لكن الموت طغى على مدينتي ، أصبح الموت هو الحدث الرئيسي بها و هو ما يدور حوله   شيء ، مدينتي أصبحت تفوح بجثث القتلى المتعفنة و بأصوات الرصاص القاتل و شوارعها أصبحت مغطاة بدماء أبنائها
في مدينتي نحن خبراء أسلحة ، في مدينتي نميز بين أصوات الأسلحة ، في مدينتي ننام على صوت الرصاص الذي لا يتوقف أبدا ، في مدينتي فقدنا الشعور بالحياة و فقدنا الأمل و كل ما بقي منا ينتظر رصاصته المقدسة لتصيبه ، إنه الرمق الأخير من الأمل


No comments:

Post a Comment