Wednesday 30 October 2013

قصص الطفولة : أشرف و هناء

طبيعي جدا أن تشتاق لطفولتك فهي أحلى سنوات العمر لأنها ببساطة كانت تسير دون إدراك منا ، كانت بريئة و جميلة و هذا ما نفقده مع العمر
بعض الأحداث من الطفولة تبدو خيالية و هذه قصة لا يمكنني تأكيد إن كانت حقيقة أم هي من نسج خيالي الطفولي بل ربما حتى من نسج خيالي و أنا في هذا العمر و لكنها قصة أؤمن بوجودها و إن كنت لابد أن أضفت فيها فجعلتها درامية 

تحدث القصة داخل أحد عمارات زاوية الدهماني
كان هناك "أشرف" الذي يسكن في الطابق الأول من العمارة ، كان شابا وسيما و ربما الأكثر وسامة بين سكان 32 شقة في هذا المبنى ، كان طويل القامة و رياضي و أبيض البشرة و كان شخصا نشطا للغاية 
و كانت هناك "هناء" تقطن في أحد شقق الطابق السابع ، كانت جميلة أيضا و هي الأجمل بالتأكيد بين فتيات هذا المبنى و كان تملك عيونا زرقاء جميلة
كانت توجد علاقة بين أشرف و هناء _كما أذكر أو كما أتخيل_ و كنت دائما أعتقد أنهما سيتزوجان بعد تخرج هناء

فجأة اختفى أشرف لفترة و كذلك هناء ، عاد أشرف بعد فترة في كرسي متحرك ثم بعد فترة تمكن من المشي بالعكاز و هذا أخر ما أعرفه عن تحسن أشرف ، أنه تمكن من المشي بالعكاز
أشرف كان مصابا بورم دماغي ، ليس سرطانا و لكن هذا الورم سبب له شلل نصفي بحيث لم يعد يستطيع استخدام أحد نصفيّ جسده و أصبح أعرج على العكاز
انتقل أشرف بعد فترة من العمارة مع أمه و أخته ، بعد أن فقد كل حيويته التي كانت تحيط به ، كان شيئا مؤسفا رؤيته هكذا 

بعد كل هذه السنين ، أتت لأمي دعوة زفاف من أم هناء "أمنة" ، تفاجأت قليلا فبعد كل هذه السنين من الفرقة ما زلنا على تواصل معهم و لكن سرعان ما تذكرت أشرف الذي اعتقدت أنه سيزوج هناء و سيكونان ثنائي هذا المبنى
تزوجت هناء كما يقولون من رجل غنّي و لا أدري ما جرى لأي منهما
زواجها قضى على أحد خيلاتي الطفولية عن الحب الجميل و التي كانا هناء و أشرف بطلاها و لكن رغم معرفتي بأن كل ما جرى في ذهني قد يكون خطأ إلا أنني أستمتع أحيانا بتخيل حب أشرف و هناء 


Tuesday 29 October 2013

من الطفولة : ما ظلّ سرا

كانت معلمة الإنجليزي لصف التاسع و كان اسمها سعاد
اسم سعاد ارتبط كثيرا بحياتها و سيرتبط للأبد و الأكيد أن لا علاقة لهذه المعلمة بهذا الإرتباط
استرحتْ لهذه المعلمة الجديدة في السنة المصيرية "سنة الشهادة" و أُعجبت بها فهي كانت معلمة إنجليزي جيدة رغم كل شيء و من القلة الجيدين
مرّت الأيام و هي تدرس في ظل هذه المعلمة التي أثبتت جدارتها في التعليم و في نفس الوقت غرورها و نرجسيتها التي لا أحد يعرف مصدرها
كانت المدرسة التي تدرس فيها هذه الفتاة مختلطة على غير العادة في مدارس بلدها ، و لكن على غير العادة أيضا كان يوجد 4 أو 5 طالبات إناث في كل فصل  من أصل 20 طالبا أو أكثر في الفصل
لم يُمثل هذا مشكلة لا للمعلمات و لا الطلبة و لم يكن ساريا في ذاك الوقت فكرة الإختلاط في ذهونهم على الإطلاق
سرعان ما تغيرت تصرفات المعلمة مع أول امتحان فأحبت المتفوقين و كرهت الراسبين ، استمر هذا طول الفترة الأولى التي ترافق معها كره العديد من الذكور للمعلمة و خصوصا الذين رسبوا فيما سبق و هذه السنة الثانية أو الثالثة لهم في نفس المرحلة
أتي الإمتحان النهائي و تصاعدت معه وتيرة التوتر الذي سرعان ما تحول لمضابقات يتبادلها الطرفين أو كما نقول بالشعبي "تلقيح" ثم أتت العطلة
بعد العطلة و عودتنا للمدارس تم توزيع بطاقات دراجاتنا التي نجح و رسب فيها العديدون و كان معظم الراسبين في الإنجليزي 

و كرَدِّ فعلٍ على الرسوب قام أحد الطلبة ذات يوم برمي ورقة على ظهر المعلمة أثناء كتابتها الدرس ، فالتفتت لتبدأ بالشتم كلمات كانت شائعة "حمار ، كلب ..." ثم فجأة و من دون إنذار طلبت من جميع الإناث الخروج من الفصل و اللواتي كنّ 4 فحسب
خرجت الطالبة مع زميلاتها و وقفن أمام باب الفصل ريثما تنهي المعلمة حديثها و الذي اختارت أن توجهه للذكور فقط
الفضول كهاجس بشري سيطر في هذه اللحظة على ذهن الطالبة التي سرعان ما أرادت أن تعرف ما تقوله المعلمة للطلبة فحسب و التي كونت العديد من النظريات كان أكثرها إقناعا أنها ستقول كلاما للذكور لا ينبغي أن تسمعه أنثى ، شتما من نوع أخر لم يكن شائعا
قضت المعلمة الكثير من الوقت مع الذكور حتى انتهت الحصة و رنّ الجرس ، خرجت المعلمة و لم تتبين الفتاة ملامح وجهها و لكنها سرعان ما رأت ملامح الذكور في الفصل ، ملامح مصدومة و وجوه مُصفرة من الجميع ، ثم سرعان ما بدأ أحد الذكور بالضحك على االمعلمة و التعليق
لم تتبين الفتاة ما قالته أو فعلته المعلمة ذاك اليوم و رغم فضولها الشديد إلا أنها قررت ألا تسأل
حدث موقف أخر مع المعلمة هذه ، فبينما كان أحد الطلبة يضايقها بالكلمات التي لم يوجهها الطلبة إلا لهذه المعلمة ، سألته فجأة : أين تسكن ؟
أجابها الطالب أ،ه يسكن في زاوية الدهماني
فكان رد المعلمة : طبيعي إذا أن تكون شخصا منحرفا "صايع" هذا طبع سكان زاوية الدهماني و ليس مثلنا سكان فشلوم فنحن راقون و متحضرون
دار في ذهن الفتاة شيء واحد : أنا أيضا كنت من سكان زاوية الدهماني و ما تقولينه ليس صحيحا .. و لكنها فضّلت الصمت  فرغم كل شيء كانت هذه المعلمة تحبها و تعاملها جيدا



Monday 21 October 2013

وجهة نظر : القناعة كنز لا يفنى

يًقال أن القناعة كنز لا يفنى ، لا أعلم من قال هذه المقولة أو أصولها و ليس لديّ فضول لأعلم
كانت العديد من النصائح الموجهة لي تتمثل في هذه الجملة ، بعضهم يحب التكثير من الكلام و لكنه ينتهي بقول هذه الجملة ، و أخرون يقولونها من البداية
في البداية لم أكن أناقش ، فهذه جملة كغيرها من الإقتباسات الشائعة فيها قدر من القداسة الذي عادة ما يوجهها الناس على أي شيء فيه أثر للحكمة
بعد فترة تتكرر الجملة ، و يبدو أنني فشلت في تنفيذها و لكن بالتأكيد دون قصد ، لكن القناعة لم تكن يوما من خصالي و لن تكون
ليس غرورا و لا أنانية _رغم أن أحد خصالي الأنانية_ و لا شيء أخر مشابه لذلك و لكنني ببساطة أرى القناعة كوحش يجب محاربته بدل تقبله كشعور دافع للراحة
عادة عندما يتعالج أي شخص نفسيا من أي مرض عليه أن يخرج من منطقة راحته و يتكلم عمّا يزعجه و يعالجه ، أي أنه بدل الجلوس مختبئا في الظلام عليه أن ينهض و يواجه ضوء النهار المزعج الذي سينهك عينيه بعد كل ذلك الظلام ، و هكذا أرى القناعة كمنطقة الراحة الخاصة بأي إنسان ، و لهذا هو سهل للغاية أن تقول هذه الجملة و تفتخر بأنك قانع بما لديك

هي أحد الجمل التي عادة ما يقتبسها الناس ، و لكن ما يغفل عنه حافظوا هذه الجمل و الذين لم يتكبدوا عناء التفكير فيها قبل تكرارها أن كل هذه الجمل ذات منظور نسبي للشيء ، و أنها أيضا لا تعبر سوى عن رأي شخص واحد قائلها أو كاتبها ، و مهما كان هذا الشخص متعلما و مثقفا فلا أظن أن رأي أحد مقدس عن رأي شخص أخر

رأيي في هذه الجملة نسبي أيضا ، فأنا لا أحاربها و لا أساندها ، بل هي جملة أستخدمها في أحد أيامي التي أتكاسل فيها لأزداد تكاسلا و أستخدمها أحيانا لأرضى بأنني غير موهوبة أو غير قادرة على هذا الشيء أو ذاك ، مثل ما أستخدمها لإدراكي أنني غير قادرة على مهنة التعليم ، فمهما حاولت إقناع نفسي بغير ذلك إلا أن قناعتي أنني غير قادرة على الشرح جيدا تجعلني أقف عندها و لا أفكر في تعليم أحد
أنا استخدمت القناعة بطريقتي و أخرون استخدموها بطرق أخرى لهذا أفضل ألا أكرر هذه الجملة المقتبسة ، بل إنني أفضل ألا أردد العديد من الجمل المقتبسة و إن أردت يوما اقتباس شيء فسيكون شرحا و ليس رأي شخص يحتمل الصحة  أو الخطا ، و لكن هنا مشكلة في حد ذاتها فالرأي لا يحتمل الصحة أو الخطأ معظم الوقت ، بل هو رأي فحسب لا يمكن وضعه في خانة معينة غير خانة الرأي التي تعبر عن أفكار صاحبها و ما توصل له عقله

يمكنني غدا أن أستخدم هذه الجملة على نفسي و لكن أظن أن تأثيرها عليّ أثبت فشله ، ربما أستخدمهاعلى غيري ، فالجملة لها معنين ، المعنى الأول يخاطب العقل بأن يقول له "ارضى بما تملك و ما أنت عليه فأنت حالك أفضل من العديد و تملك منزلا و أكلا و شرابا" هذا المعنى الذي أرفضه ، صحيح أنك تملك كل شيء و ما تحتاجه و لكن ماذا عن إمكانياتك ؟ 
معظمنا لديه إمكانيات لعيش حياة أفضل و صنع شيء أكبر من نفسه و لكن هذه الجملة دائما ما تعيقه

أما الثاني فهو كما ذكرت سابقا عبارة عن نظرة موضوعية لنفسك بأن تدرك أنك إنسان لا يمكنك أن تملك كل شيء ، ولست موهوبا بكل شيء و أن قدراتك أكبر مما تعتقد و لكن ليس في كل مجال فحسب و هما يأتي دورك لإكتشافها

ليست قضية تنمية بشرية و كل السابق مجرد رأي لي ، كما هذه الجملة رأي صاحبها الذي قد يكون مزارعا لديه موهبة الغناء و لكنه ظلّ مزارعا و استخدم هذه الجملة ليقنع نفسه بخياره
أو محكوما بالسجن فرّ زملاؤه من السجن و هو رفض الهرب ، نجح زملاؤه و هو بقي يواسي نفسه بهذه الجملة



Tuesday 8 October 2013

حلقة من الدمار

يُقدر للضحية أن تصبح جلّادا ، هكذا هي الدنيا تحولنا من ضحايا لجلّادين و لكننا نبقى محتفظين بمظهر الضحية ، ربما هو شيء لا يمكن التخلي عنه ، وربما من كان ضحية يوما سيبقى ضحية دائما في نظر نفسه مهما فعل
ربما هي حلقة الجلّاد و الضحية ، فأنت حتى مرحلة ما من عمرك تكون إنسانا لست بضحية أو جلاد ، ثم في مرحلة أخرى تصبح ضحية و بعدها تصبح جلّادا بمظهر الضحية
أسوء ما يمكن أن تفعله تجاه نفسك هو الشعور بالشفقة ، فأنت لست بضحية و مهما حدث لست ضحية ، أنت لست مَدعاة للشفقة أيضا أنت ببساطة تعرضت لموقف سيء لا غير ، و فقط لأنك تعرضت للسوء لا يعني أنك مخول لفعله
هذا ما يحدث في مجتمعي ، فنحن على نحو ما ضحية ، و لكننا جلّادون أكثر منه ضحايا و لكننا لا زلنا غير قادرين على الإعتراف أننا ببساطة فشلنا في الإستمرار و توقفنا عند نقطة الضحية و احتفظنا بغضبنا لنصبح جلّادين
كان هذا ما جرى مع القذافي و هذا ما يجري مع مصراتة و هذا ما يجري مع معظم الليبيين ، هذا ما جرى مع اليهود بعد ما فعله بهم هتلر و هذا ما جرى مع أمريكا بعد  الحادي عشر من سبتمبر

ربما الأمر يحتاج إلى نضج لندرك أننا لم نعد ضحايا ، ربما نحتاج لنقف عند اللحظة التي تنتهي فيها إنسانيتنا
و لكن في المرة القادمة قبل أن تجعل غضبك يوجهك تخيل ، تخيل فقط ملايين الأشخصا مثلك يوجههم شعور كشعورك ، رغبة الدمار لكل من حولهم ، عدم مراعاة غيرهم ، مقتنعين أنهم ضحايا و أنه تم سلب حقوقهم و تخيل أن الحلقة ستبدأ من جديد مع أشخاص جدد ، ثم تخيل مجتمعا كاملا تقوده هذه الحلقة ، و سيكون هذا هو المجتمع الليبي

إنه ببساطة مجتمع الدمار الذاتي


قصة قصيرة : الضحية التي تصبح جلّادا

"أمي لقد دُفنتي هنا ، في مكان ما في هذه الأرض هكذا قال لي أبي ، و لكن يا أمي أنا لم أجد قبرك ، قبرك غير موجود فلا يوجد هنا إلا أرض قاحلة"
هكذا يقول وليد و عيناه تدمع و لكن ليس حزنا بل هي ذرات الغبار تدخل عيناه
وليد لا يذكر عن أمه سوى القليل ، و هي الذكريات الجميلة الوحيدة في حياته
وليد عاش مع أب مدمن كان يضربه كل يوم و مع أخت زوّجها والدها وهي تكاد تبلغ الثالثة عشرة و التي توفيت قبل 3 سنوات ، والد وليد فعل ما يمكنه لكيّ يعذبه ، وليد أيضا مدمن ، ربما ينطبق عليه المثل القائل "ذاك الشبل من ذاك الأسد"
"أنا ضحية والدي ، ذلك الحقير لقد دمّر حياتي" هذا ما يقوله وليد دائما و لكنه قبل زمن كان يقول " أمي البائسة لقد تركتني بمفردي مع هذا الحقير و لم تهتم بنا ، أنا أكرهها"
و ليد المدمن البائس الوحيد ضرب والده ذلك اليوم ، و أشعره ذلك بشعور رائع و كان فخورا بذلك و كما يقول " أخيرا انتقمت منه"
وليد اليوم هو ثائر بطل ، خرج في أحد الأيام و أصبح زعيما لمنطقة
و لكن اليوم هو يبحث عن قبر أمه المجهول ، فأمه حتى وقت قريب كانت أكثر ما يكره في هذه الحياة و لكن اليوم هو مليء بالشفقة ، تجاه نفسه و تجاه أمه و أخته
وليد يخرج من هذه الأرض و يعد نفسه أن يتغير و سيقوم بمساعدة الناس
تأتي سيارة مسرعة و تصطدم بوليد ، يسقط وليد مرتميا على الأرض جثةً هامدة
أتى التغيير متأخرا لوليد ، أو ربما هذه الأرض لا تقبل النادمين و لا تبحث إلا عن المجرمين

Friday 4 October 2013

قصة قصيرة : فطيرتان


جلستا معاً صديقتين ، صداقتهما تمتد لسنين طويلة
كانت تلك الذكرى أول ما لامس عقلهما عندما شاهدتا ذلك الطفل و هو يأكل فطيرته في الشارع ، كانت ذكرى الجوع
جلستا تذكران ، لم تكونا تذكران فعلا بل كانتا تعيشان تلك اللحظات مرة أخرى ، فمن الصعب أن ننسى هكذا لحظات
كانتا جائعتان ذلك اليوم ، فهما طفلتان في العاشرة لم تأكلا منذُ يومين ، كانتا قد ندمتا كثيرا على تركهما الميتم لكن لم يكن بإمكانهما العودة ليتم ضربهما التحرش بهما مجددا من ذلك المدير العجوز الشرير
كان بائعا جوالا يسير أمامهما في ذلك اليوم ، كانت فكرة سرقة تلك الفطيرة أول ما بادر إلى ذهنما ، لم يفكرا سوى بهذا الجوع اللعين ، اتفقتا أن تقوم إحداهما بإلهاء الرجل بينما تقوم أخرى بسرقة فطيرتين واحدة لكل منهما
كانت إحداهما أسرع من الأخرى ، فاختيرت هي لإلهاء الرجل ، بينما كان للأخرى مرونة ستمكنها من التسلل جيدا لسرقة الفطيرتين
ها قد ذهبت الطفلة التي ستلهي الرجل ، قدماها ترتعشان و هي تمشي باتجاهه و كأنها ستكون نهايتها ، كما أن خوفها مبرر كونها لم تسرق من قبل ، و يُضاف بذلك شدّة جوعها التي تركتها طفلة نحيلة و مُجهدَة
هاهي تقف أمام الرجل ، كان يبدو في الأربعين ، يبدو طيبا ، كانت تريد أن تقول له أنها جائعة و أنها هربت من الميتم لكنها خافت أن تعود لذلك الرجل الشرير الذي يؤذيها هي و صديقتها ، دفعت تلك الفكرة بعيدا عن رأسها و فكرت في ما ستقول له ، و فجأة قالت " عفوا يا عم ! "
لم يُجبها الرجل لأنه لم يسمعها ، فصوتها كان منخفضا و مرتعشا كما أن الضجيج المحيط لم يساعد أيضا
كررت ثانية "عفوا يا عم ! " و لكنها صرخت هذه المرة
التفت الرجل إليها ، فشاهد فتاة صغيرة ذابلة ، "يبدو أنها أضاعت عائلتها" هذا ما فكّر فيه
جلس الرجل على كرسيه حتى يتمكن من الحديث مع تلك الطفلة القصيرة
"ما الذي تريدينه يا ابنتي ؟!" سألها الرجل بعطف شديد ..
ها هي تقترب الطفلة الأخرى من الفطائر و ببطء شديد
بينما كانت الأخرى تفكر بما ستقوله تاليا
كرّر الرجل سؤاله ، و ببط أكبر هذه المرة
لم تُجبه الطفلة ، فازدادت ثقة الرجل في فكرة أنها أضاعت عائلتها
كانت الطفلة في ذلك الوقت قد تمكنت من أخذ فطيرة و كانت على وشك أخذ الأخرى عندما سمع الرجل صوتا
كان على وشك الإلتفات عندما صرخت هذه الطفلة الذابلة على صديقتها لتهرب ، هربت تلك الطفلة
كانت على وشك الهرب عندما حاول الرجل مطاردتها و لكنه لم يتمكن من إمساكها ، و تمكنتا من الهرب فعلا و لكن بفطيرة واحدة فقط ، و هي لم تكن كافية لتسكت جوع يومين
لم تدرك الطفلتان أن هذا الرجل مصاب في عموده الفقري و لذلك لم يكن قادرا على مطاردتهما ، كما لم تعلما أيضا أنه ظلّ يناديهما حتى يساعدهما
ذهبت الطفلتان إلى مخبئهما ، مستودع صغير مهجور ، كان مكانهما الخاص و بيتهما و مدرستهما .. كان عالمهما
كانت الفطيرة ساخنة و تبدو شهية ، كل شيء يبدو شهيا عندما تكون جائعاً
كانتا ستبداءان بالأكل و لكنهما فكرتا بأكل نصفها فقط و إبقاء الأخر للغد
كان صعبا مقاومة أكل النصف الأخر ، فهذا النصف لا يكفي ليُسكت جوع إحداهما ، فكيف بكلاهما ؟!
انتهت الذكرى عند هذا الحد لهاتان الصديقتان اللتان تذكرتا أحد أجمل ذكريات حياتهما
ارتسمت ابتسامة على وجههما ثم بدأتا الضحك بصوت عالٍ ، ففي ذلك اليوم تحولتا من مجرد ضحيتين لنفس الرجل ، لصديقتين لا يُفرقهما شيء
نادتا ذلك الطفل فجاة و اشترتا له فطيرتان ، فطيرتان لم تتمكنا من الحصول عليها يوما ما ، فطيرتان كانتا تمثلان بداية حياة صعبة و بداية صداقة رائعة ، كان الحصول على الفطيرتين صعبا في أحد الأيام و لكنه اليوم أسهل ما يمكنهما الحصول عليه

أخذتا فطيرتين لنفسهما أيضا ، فهي الوجبة التي غذتهما لوقت طويل رغم تواضعها