Friday 4 October 2013

قصة قصيرة : فطيرتان


جلستا معاً صديقتين ، صداقتهما تمتد لسنين طويلة
كانت تلك الذكرى أول ما لامس عقلهما عندما شاهدتا ذلك الطفل و هو يأكل فطيرته في الشارع ، كانت ذكرى الجوع
جلستا تذكران ، لم تكونا تذكران فعلا بل كانتا تعيشان تلك اللحظات مرة أخرى ، فمن الصعب أن ننسى هكذا لحظات
كانتا جائعتان ذلك اليوم ، فهما طفلتان في العاشرة لم تأكلا منذُ يومين ، كانتا قد ندمتا كثيرا على تركهما الميتم لكن لم يكن بإمكانهما العودة ليتم ضربهما التحرش بهما مجددا من ذلك المدير العجوز الشرير
كان بائعا جوالا يسير أمامهما في ذلك اليوم ، كانت فكرة سرقة تلك الفطيرة أول ما بادر إلى ذهنما ، لم يفكرا سوى بهذا الجوع اللعين ، اتفقتا أن تقوم إحداهما بإلهاء الرجل بينما تقوم أخرى بسرقة فطيرتين واحدة لكل منهما
كانت إحداهما أسرع من الأخرى ، فاختيرت هي لإلهاء الرجل ، بينما كان للأخرى مرونة ستمكنها من التسلل جيدا لسرقة الفطيرتين
ها قد ذهبت الطفلة التي ستلهي الرجل ، قدماها ترتعشان و هي تمشي باتجاهه و كأنها ستكون نهايتها ، كما أن خوفها مبرر كونها لم تسرق من قبل ، و يُضاف بذلك شدّة جوعها التي تركتها طفلة نحيلة و مُجهدَة
هاهي تقف أمام الرجل ، كان يبدو في الأربعين ، يبدو طيبا ، كانت تريد أن تقول له أنها جائعة و أنها هربت من الميتم لكنها خافت أن تعود لذلك الرجل الشرير الذي يؤذيها هي و صديقتها ، دفعت تلك الفكرة بعيدا عن رأسها و فكرت في ما ستقول له ، و فجأة قالت " عفوا يا عم ! "
لم يُجبها الرجل لأنه لم يسمعها ، فصوتها كان منخفضا و مرتعشا كما أن الضجيج المحيط لم يساعد أيضا
كررت ثانية "عفوا يا عم ! " و لكنها صرخت هذه المرة
التفت الرجل إليها ، فشاهد فتاة صغيرة ذابلة ، "يبدو أنها أضاعت عائلتها" هذا ما فكّر فيه
جلس الرجل على كرسيه حتى يتمكن من الحديث مع تلك الطفلة القصيرة
"ما الذي تريدينه يا ابنتي ؟!" سألها الرجل بعطف شديد ..
ها هي تقترب الطفلة الأخرى من الفطائر و ببطء شديد
بينما كانت الأخرى تفكر بما ستقوله تاليا
كرّر الرجل سؤاله ، و ببط أكبر هذه المرة
لم تُجبه الطفلة ، فازدادت ثقة الرجل في فكرة أنها أضاعت عائلتها
كانت الطفلة في ذلك الوقت قد تمكنت من أخذ فطيرة و كانت على وشك أخذ الأخرى عندما سمع الرجل صوتا
كان على وشك الإلتفات عندما صرخت هذه الطفلة الذابلة على صديقتها لتهرب ، هربت تلك الطفلة
كانت على وشك الهرب عندما حاول الرجل مطاردتها و لكنه لم يتمكن من إمساكها ، و تمكنتا من الهرب فعلا و لكن بفطيرة واحدة فقط ، و هي لم تكن كافية لتسكت جوع يومين
لم تدرك الطفلتان أن هذا الرجل مصاب في عموده الفقري و لذلك لم يكن قادرا على مطاردتهما ، كما لم تعلما أيضا أنه ظلّ يناديهما حتى يساعدهما
ذهبت الطفلتان إلى مخبئهما ، مستودع صغير مهجور ، كان مكانهما الخاص و بيتهما و مدرستهما .. كان عالمهما
كانت الفطيرة ساخنة و تبدو شهية ، كل شيء يبدو شهيا عندما تكون جائعاً
كانتا ستبداءان بالأكل و لكنهما فكرتا بأكل نصفها فقط و إبقاء الأخر للغد
كان صعبا مقاومة أكل النصف الأخر ، فهذا النصف لا يكفي ليُسكت جوع إحداهما ، فكيف بكلاهما ؟!
انتهت الذكرى عند هذا الحد لهاتان الصديقتان اللتان تذكرتا أحد أجمل ذكريات حياتهما
ارتسمت ابتسامة على وجههما ثم بدأتا الضحك بصوت عالٍ ، ففي ذلك اليوم تحولتا من مجرد ضحيتين لنفس الرجل ، لصديقتين لا يُفرقهما شيء
نادتا ذلك الطفل فجاة و اشترتا له فطيرتان ، فطيرتان لم تتمكنا من الحصول عليها يوما ما ، فطيرتان كانتا تمثلان بداية حياة صعبة و بداية صداقة رائعة ، كان الحصول على الفطيرتين صعبا في أحد الأيام و لكنه اليوم أسهل ما يمكنهما الحصول عليه

أخذتا فطيرتين لنفسهما أيضا ، فهي الوجبة التي غذتهما لوقت طويل رغم تواضعها

No comments:

Post a Comment